أما بعد عباد الله فقد تكلمنا في الجمعة الماضية عن بعض الوقفات مع المسافرين واليكم مزيدا عليها جعلها الله خالصة لوجهه نافعة لعباده المؤمنين .
الوقفة الأولى: أن كثيرا من الناس جعل من هذه الإجازات فرصة للسفر والسياحة سواء كان السفر قريبا أو بعيدا ولربما فرط بما عليه من واجبات كإهمال البيت والزوجة والأولاد أو إهمال العمل الواجب أو تضييع التجارة بأيدي العمالة غير الموثوقة وقد.قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) قال تعالى:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة. وفي رواية فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة)فحذار حذار أن تسافر وتهمل بيتك وأهلك.
الوقفة الثانية : على الأولياء أن يحفظوا صغارهم عن الأخطار.ومن الفساق في الأسواق والمتنزهات وساحات الحرمين ونحوها. لأنهم أمانة وهم لا يحسنون التصرف غالبا فينبغي أن يكون وليهم عينا ساهرة عليهم عند لعبهم وخروجهم فقد قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )
الوقفة الثالثة: وقت المسافر ثمين فليحافظ عليه قال تعالى(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ )فاستغل وقتك بسماع الأشرطة النافعة وإذاعة القرآن واحذر ضياع الأوقات في الأسواق. فأن أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق.
الوقفة الرابعة: مما يجب على المسافر وغيره القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المطارات والفنادق والمتنزهات ولو بتوزيع الأشرطة والمطويات والكتيبات قال تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )ويقول سبحانه ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
الوقفة الخامسة : يقول الله تعالى (..وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) وقال تعالى( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ولهذا يجب عليك أن تتفقد سيارتك قبل السفر واحذر السرعة الزائدة التي لا مبرر لها .ولا تقد سيارتك وأنت مرهق أو تحس بالحاجة للنوم.
الوقفة السادسة : إذا نزلت منزلا فتذكر آداب النزول ومنها :-
*دعاء النزول: قال صلى الله عليه وسلم:ُ( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. لَمْ يَضُرُّهُ شيء حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ).قال الشيخ ابن باز رحمه الله : يستحب قول هذا الدعاء عند نزول منزل .. وأنها من أسباب العافية من شر الجن والإنس. وهكذا إذا ركب الطائرة أو السيارة أو القطار ونحوه..أهـ
ومن الآداب التنحي عن الطريق عند النزول فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (..وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام في الليل ).
ومن تعاليم الإسلام, نظافة المكان فان إماطة الأذى عن الطريق صدقة وليكن همنا أن يكون المكان كما كان أو أحسن مما كان وفي الصحيح قال r ( مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ)
الوقفة السابعة : إذا فرغت من شغلك فعجل الرجوع فقد صح عن رسول الله r قوله (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ ) ومن الآداب النبوية ما بوب له البخاري في صحيحه: باب لاَ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلاً إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ مَخَافَةَ، أَنْ يُخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ وأورد فيه قوله r إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلاَ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلاً ) ومع وجود آلات الاتصال الحديثة فإذا اخبرهم بوقت قدومه فلا بأس في أي ساعة شاء.
الوقفة الثامنة : مما يقع في المجتمع –وهو قليل بحمد الله- سفر الرجل بزوجته وأبنائه وترك والديه أو أحدهما.فان علم رغبتهما في السفر فلا يحل له أن يتركهما .وان لم يرغبا السفر فلا يحل له تركهما إلا أن يكون عندهما من يقوم عليهما أو أنهما ليسا بحاجته.قال تعالى(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا * وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) وعن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه )اللهم..
الثانية /أما بعد عباد الله وبما أن قسم كبير من الناس يكون سفرهم إلى تلك البقاع الطاهرة مكة والمدينة فيجب عليهم أمور منها:-
أولا إخلاص العمل لله فليس المقصود أن آل فلان ذهبوا إلى مكة فنحن نذهب (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)
ثانيا يجب عليهم أن يتعلموا أحكام العمرة والزيارة ولو أن يقرأ كتاب أو أن يستمع إلى شريط في أحكام العمرة والزيارة.
ثالثاً ليعلم أنه مع طهارة تلك البقاع إلا أن الفساد فيها كبير فليحذر المسلم من تضيع أهله حينما ينهمك في المسجد الحرام فلا يدري ما حال أبنائه وبناته فخروج البنت ليلاً بدعوى الطواف أمر معتاد عند الناس وليعلم أن الطواف سنة وصيانة الأعراض واجب وليعلم أن من المتقرر في السنة المطهرة أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد حتى المسجد الحرام. فَعنْ أُمِّ حُمَيْدٍ ، امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاَةَ مَعَكَ قَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاَةَ مَعِي ، وَصَلاَتُكِ فِي بَيْتِكَ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلاَتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلاَتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلاَتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ : فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ وَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ)
رابعاً من أهم ماينبغي لزوم الادآب والأخلاق الإسلامية فقد رأينا ما ينافي ذلك كإهمال الصغار يعبثون ويشغلون المصلين والطائفين ومن ذلك الجلسات الليلية في ساحات الحرم إلى قرب الفجر ومن ذلك أصوات الجوالات داخل الحرم وعند جدار الكعبة ومن ذلك عدم العناية بالملابس فلا يهتم الرجل أن يحضر إلى الحرم بملابس النوم لأنه لا احد يعرفه ونسي أن للمساجد حقا من الزينة. قال تعالى:(يبني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد..)
عباد الله:إن الواجب على المسافر أن يتذكر بأسفار الدنيا السفر الأخير. وهو الانتقال من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة قال تعالى:(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )وقال: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وقال (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ *وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)
قال ابن الجوزي: الثواب في الدنيا قليل ولنا عليها حساب طويل فتهيأ للنقلة عنها قبل أن يزعجك الرحيل ليس لك في سفر الآخرة زاد إلا ما قدمت ليوم المعاد .
أخي المسافر تذكر قول الله عز وجل { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } اللهم أحفظ المسافرين وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين من خيري الدنيا والآخرة وجميع المسلمين يا أرحم الراحمين …اللهم…