بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على من وآلاه وبعد
فقد ورد اليّ سؤال من أحد الفضلاء ممن لا يسعني رد طلبه وهذا نصه :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل لاحظنا نحن في جمعية تحفيظ القرآن في الآونة الاخيرة سواءً داخل المملكة أو خارجها
عندما يتم تخريج حافظ للقرآن :
قيامه بقراءة آخر ايتين من البقرة
ثم يقوم فيسجد
ثم يبكي أو يتصنعه
ثم يقوم الحاضرون بمعانفته
وهذا المشهد بحذافيره يتكرر فأسأل:
هل ينكر عليهم ذلك خوفا ً من أن يظن أنه سنة ؟ ثم إن فيه خوفا ً من العجب والرياء خصوصا ً مع التصوير والنشر وقد تطور الأمر إلى حفلات تقام في استراحات وغيرها وجهنا شيخنا الفاضل لما تراه حول.
ولأجل النفع أحببت أن يكون الجواب عاما .فأقول مستعينا بالله .
جاء في الابانة الكبرى لابن بطة : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَتَبَ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: (أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالِاقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَهُ، فِيمَا قَدْ جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ، وَكُفُوا مَئُونَتَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعْ إِنْسَانٌ بِدْعَةً، إِلَّا قُدِّمَ قَبْلَهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا، وَعِبْرَةٌ فِيهَا فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ، فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ سَنَّ السُّنَنَ قَدْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافِهَا مِنَ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ، وَالتَّعَمُّقِ وَالْحُمْقِ، فَإِنَّ السَّابِقِينَ عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، وَكَانُوا هُمْ أَقْوَى عَلَى الْبَحْثِ، وَلَمْ يَبْحَثُوا)
ومن الأصول والقواعد المقررة في الاسلام: أن المرجع في مسائل التدين والتعبد هو الكتاب والسنة، فما قام الدليل عليه قبل، وما خالفه رد، فيجب لزوم بالوحي وعدم الابتداع في الدين .
ومن المعلوم أنه لَا شَيْء أحسن فِي الْعُقُول وَالْفطر من شكر الْمُنعم وَلَا أَنْفَع للْعَبد مِنْهُ وهو نصف الايمان كما جاء بذلك الخبر بل الشكر باب الزيادة والفضل {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } والله سبحانه هو الشَّكور، وهو موصل للشاكر إلى مشكوره، بل يعيد الشاكر مشكورًا. والشكر غاية رضا الربِّ من عبده، وأهلُه هم القليل من عباده. قال تعالى: {اعملوا آل داود شكرا وقليلٌ من عبادي الشكور} .
ومما هو مشروع بضوابطه سجود الشكر وذلك عند تجدد النعم واندفاع النقم .
قال في زاد المعاد :وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه: سجود الشكر عند تجدُّد نعمةٍ تسُرُّ واندفاع نقمة، كما في «المسند» عن أبي بكرة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه أمر يسُرُّه خرَّ لله ساجدًا شكرًا لله تبارك وتعالى. زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم 1/ 438
وقال في نهاية المطلب :سجدة الشكر مسنونة عندنا، ووقتها إذا فاجأت الإنسانَ نعمة كان لا يتوقعها، أو اندفعت عنه بليةٌ، من حيث لا يحتسب اندفاعَها، فمفاجأة النعمة دفعاً ونفعاً يقتضي سجودَ الشكر. نهاية المطلب في دراية المذهب 2/ 282
قال ابن باز في نور على الدرب: أما السجود عند ختم القرآن فلا أصل له .أ.هـ
وقال الشيخ عبدالرحمن البراك في موقعه: بدعة ولما روجع في ذلك قال: كان المسلمون يختمون ويحفظون القران وما ذكر ذلك من فعلهم..قدوتنا هم السلف الصحابة والتابعون وأئمة الدين .أ.هـ
وعلى ذلك فإذا كان الساجد عند السجود استشعر هذه النعمة وغلبه هذا الشعور وحمله على المبادرة لشكر الله بلا ترتيب واستعداد فلا أعلم مانعا ، وأما اذا كان الانسان يتحرى هذا المجلس أو هذا الجمع حتى يظهر السجود فلا .
والذي أرى أن هذا السجود في هذه الحالة فيه محاذير منها :
1- أن سجود الشكر لا يشرع الا عند تجدد النعم ووجود استشعارها في القلب أما اذا بردت وذهب من القلب شأنها فتذهب المشروعية وتحل البدعة. ومن المعلوم أن الحافظ غالبا يحفظ الشيء منفردا وان ما يؤديه أمام الناس انما هو عرض فالحفظ سابق للعرض فالنعمة بختم الحفظ لا عند العرض والله أعلم.
2- ان الأصل في العبادات المنع الا بدليل ولم يكن هذا معروفا عند سلف الامة بهذه الصفة .
3 - تزداد البدعة اذا خصص لذلك آيات معينة يكون السجود بعدها .
4- وتزداد البدعة اذا كان السجود جماعيا. فالنعمة للحافظ فما شأن الاخرين ؟
5- أن في هذا لون من الوان الرياء . وما أخطره على أهل العلم والقران .حيث ربما تصنع البكاء وقد كان الصالحون يخفونه اذا غلبهم فكيف بمن يستدعيه او يتصنعه.
6- وتزداد البدعة بالقيام له والمعانقة ونحو ذلك.
فعلى القائمين على هذه المدارس المباركة عدم إشاعة مثل هذا والاكتفاء بما كان عليه سلفنا الصالح فَإِنَّ السَّابِقِينَ عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا.
فإن اتبعت سبيلهم فموفق … وإن ابتدعت فما عليك معول
وعن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون
قلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودِّع، فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله (، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد. وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ ئ عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي الصحيح:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) .والله يقول : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }
فالواجب الحذر من مداخل الشيطان وان يربى الناشئة على الورع والتقوى لا على المظاهر والعواطف.
نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسداد
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
26 محرم 1447هـ