بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد:
فقد شاع بين الناس أمر استحسنوه وأرى أن هذا العمل مجانب للصواب ومخالف السنة ، ذلك أنهم إذا مات من يحبه الناس وأسفوا على موته تداعوا لجمع الأموال من محبيه لأجل وضعها في عمل برٍ له كمسجد أو بئر أو برادة ماء ونحو ذلك ، وقد بحثت عن أصل ذلك في السنة أو عمل السلف فلم أعثر على ما يؤيد ذلك . بل أرى أن فيه من المحاذير ما يلي
أولاً : أن هذا ليس عليه عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا السلف الصالح. قال شيخ الاسلا م ابن تيمية : (فالأمر الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها… وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم ..) قال: ( ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا وصاموا أوحجوا أوقرأوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم ..) [الفتاوى ج 24ص 323] وقال ابن عثيمين : فأما ما يفعله كثير من العامة اليوم حيث يقرؤون القرآن … ثم يؤثرون موتاهم به ويتركون أنفسهم فهو لاينبغي لما فيه من الخروج عن جادة السلف وحرمان المرء نفسه من ثواب هذه العبادة ..) [الفتاوى ج17ص265]
وقالت اللجنة الدائمة : (لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه ولا سائر السلف الصالح أنهم كانوا يجمعون نقودا للصدقة عن الميت ولا لتوزيعها على جماعة معلومة أو على أهل الميت … ) [فتاوى اللجنة الدائمة ج9ص153]
ثانياً : أن مثل هذا العمل ينطبق عليه كونه بدعه لأن العلماء قالوا : (كل ما وُجد سببه في عهد النبي وأصحابه فلم يفعلوه مع إمكان فعله فهو بدعة ) قال تعالى :(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
وخير الأمور السالفات على الهدى *** وكل خير في إتباع من سلفْ
وشر الأمور المحدثات البدائعُ *** وكل شر في ابتداع من خلفْ
ثالثاً : أن هذه من المسألة ، والمسألة مذمومة إلا عند الحاجة . راجع ما ثبت في الصحيحين من ذم المسألة
رابعاً : إذا عُلم ذم المسألة في الإسلام؛ فإن هذا سؤال باسم من لم يطلب منك السؤال عنه ، فلو كان حياً ما تجرأنا بالسؤال له ، بل لو طلب ذلك لكان من المسألة المذمومة فكيف ولم يطلب ذلك ؟
خامساً : أن في هذا إحراجاً للناس وإلزاماً بما لا يلزم ، فإن قيل : نحن لا نلزمهم . قلنا : الحياء يلزمهم وهم لا يريدون ذلك
سادساً : أن في هذا زهداً في الأجر وإيثاراً ، بالقربات ، والعلماء ذموا الإيثار بالصالحات والقربات ، فكيف بأجرها ؟! قال النووي : (وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لايُؤْثر في القُرب ، وإنما الإيثار المحمود ما كان في حظوظ النفس دون الطاعات .. ) [شرح مسلم ج13ص201]
سابعاً : أن في مثل هذه الدعوة صرفاً للناس عما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء للميت ، فقد حث عليه الصلاة والسلام عند القبر على الدعاء للميت ، ولم يقل : تصدقوا . فهل هذا إلا صرف للناس عما يشرع . قال الشيخ ابن عثيمين : (.. ولكن الذي أرى أن يجعل الإنسان العمل الصالح لنفسه وأن يدعو لأمواته ، فالدعاء أفضل من التبرع لهم … ) [الفتاوى ج17ص253]
ثامناً : أن أحوج ما يحتاجه الميت الدعاء ، فهو أفضل من الصدقات والحج والعمرة ونحو ذلك
أسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، ولا يجعل الحق ملتبسا علينا ، وأن يصلح أحوال المسلمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله ؛؛
ربيع الثاني 1427هـ