تعليقات على كتاب التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
بإذن الله نبدأ بتدوين تعليقات من كلام أهل العلم والفضل على كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب سائلا الله الإعانة والقبول والبركة
الإمام محمد بن عبدالوهاب ولد سنة 1115 هـ في العيَينة شمال الرياض وظهرت عليه علامات النَّجابة صغيرا اعتنى بكتب ابن تيمية وابن القَيِّم سافر الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى بلاد كثيرة لطلب العلم منها مكة والمدينة والبصرة والإحساء ونجد… رأى الإمام ما بنجد والأقطار التي زارها من العقائد الضالّة والعادات الفاسدة فصمّم على الدعوة إِلى التوحيد ونبذ الخرافات والشِّركِيات .كانت نجد مرتعا للخرافات والعقائد الفاسدة ففيها القبور التي تنسب إِلى بعض الصحابة يحج الناس إِليها ويطلبون منها ويستغيثون بها لدفع كروبهم.
عقيدة الشيخ:عقيدة السلف الصالح وهي ما كان عليه رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم وأصحابه والتابعون والأئمة المهتدون قال المجدد رحمه الله:أشهد اللَّه ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أَني أَعتقد ما يعتقده أهل السنَّة والجماعة… وقال رحمه الله :على كل مسلم أن يعتقد هذه العقيدة ومن لم يعتقد هذا المعتقد الصحيح السليم فهو ليس من أهل السنَّة والجماعة بل نخشى عليه من الضلال والزيغ .
كان لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب خصوم من العلماء والأمراء والدول وتبعهم كثير من العامة.ابرز أسباب الخصومة ما ألصق بهذه الدعوة ومجددها من تهم وافتراءات عارية عن الصحة والمقاصد الحسنة. وسبب قذف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالابتداع والكفر.. سياسي محض كان لتنفير المسلمين منهم لاستيلائهم على الحجاز..وخوف الترك مِن أن يقيموا دولة عربية ولذلك كان الناس يَهِيجون عليهم تبعا لسخط الدولة ويسكتون عنهم إذا سكنت ريح السياسة.
أعداء دعوة المجدد قسمين: قسم عادوه باسم العلم والدين وقسم عادوه باسم السياسة ولكن تستروا بالعلم، وتستروا باسم الدين. وخصومه باسم العلم ثلاثة:علماء مخرفون, وقوم جهلوا الحقيقة فذموا الشيخ ونفروا عنه وقسم عادوه لأجل مناصبهم .
توفّي الشيخ في الدرعيّة سنة 1206 هـ نسأَل اللَّهَ له الرحمةَ وأن يجمَعنا وإيَّاه في أعلى الجِنانِ
علم التوحيد أشرف العلوم إذ شرف العلم بشرف المعلوم وعلم التوحيد:معرفة الله وصفاته وما ينبغي له من التعظيم والثناء وهو حقه عَلَى العباد.قال عليه الصلاة والسلام :(.. حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا..) أخرجاه في الصحيحين.
قال ابن قاسم عن كتاب التوحيد:ليس له نظير في الوجود قد وضح فيه التوحيد الذي أوجبه الله على عباده وخلقهم لأجله ولأجله أرسل رسله وأنزل كتبه.وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر والبدع وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه فصار بديعا في معناه لم يسبق إليه.
1- كتاب التوحيد
الباب الأول من كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد قصد به بيان معنى التوحيد ووجوبه.قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}
التوحيد: مصدر (وحد) وأصلها (وحد يوحد توحيداً) فالتوحيد في اللغة: هو جعل الشيء واحداً. والتوحيد هو: إفراد الله تعالى بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
لاإله إلا الله معناها لامعبود حق إلا الله(أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه)(اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا)
شروط لاإله إلا الله مجموعة في هذا البيت:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها
التوحيد هو حق الله على العبيد ففي الصحيح (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا)
2- باب فضل التوحيد وما يكفر الذنوب
فضائل التوحيد كثيرة منها: دخول الجنة والنجاة من النار.الأمن والهداية.مغفرة الذنوب.
ثناء الله على أوليائه في كتابه علامة على محبتهم وترغيبا على الاقتداء بهم(إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين)
(وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبدالله ورسوله)وصفهم بالعبودية والرسالة ردا على من غلا فيهم ومن جفاهم.
(فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) بمقدار ما عندك من الابتغاء يكون التحريم على النار فهنيئ للسابقين
3- باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
تحقيق التوحيد هو تخليصه من شوائب الشرك..وهو سبب لدخول الجنة بغير حساب.
الرقية بالقرآن والأدعية الطيبة نافعة بإذن الله من كل داء وأما حديث(لا رقية إلا من عين أو وحمة) فمعناه لا رقية أنفع
الأفضل عدم طلب الرقية من الغير فإن عرضها عليك فلا بأس والأفضل رقية الانسان نفسه بنفسه.
اختلف العلماء في حكم الدواء هل هو مباح وتركه أفضل أو مستحب أو واجب ولا شك أنه إذا كان تركه يوجب الهلاك فهو متعين.فإذا تأكد نفع الدواء مع احتمال الهلاك بتركه فواجب وإن تأكد نفعه وليس هناك احتمال للهلاك بتركه فهو أفضل وإن تساويا فتركه أفضل.
في حديث حصين بن عبدالرحمن فوائد منها: نقاء سرائر السلف وكراهيتهم أن يمدحوا بما ليس فيهم وذلك لتحقيقهم التوحيد.سعة رحمة الله.المسابقة للخيرات.فضل هذه الأمة.
الكي علاج معروف ونافع وجائز شرعا لكن غيره أولى لما فيه من الإيلام والتشويه وفي الحديث (أنهى أمتي عن الكي) وقد كوى عليه الصلاة و السلام.
4- باب الخوف من الشرك
مما يدل على خطورة الشرك ووجوب الخوف منه الواجب الخوف منه أنه لا يغفر, وصاحبه حلال الدم, والمال ,ومخلد في النار ,والجنة عليه حرام.
احذر الانتكاس والاغترار بالباطل فقد كثر دعاة الباطل فحلاوة الإيمان أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار
قال تعالى:(واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )إذا كان إبراهيم إمام الحنفاء يخاف الشرك فما ظنك بغيره ؟قال إبراهيم التيمي ومن يأمن من البلاء بعد إبراهيم؟
(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟قال الرياء)فإذا خافه النبي عليه السلام على أصحابه فغيرهم أولى.
5
– باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
الدعوة إلى التوحيد وضيفة الرسل وأتباعهم (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) فهنيئا لمن قام بهذه المهمة الشريفة .قال عليه الصلاة والسلام: (..فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) متفق عليه.
الدعوة إلى التوحيد أوجب الواجبات فلا يتقدمها شيء, وهي أهم المهمات (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وفي رواية أن يوحدوا الله)
الواجب على حكام المسلمين بث الدعاة للدعوة إلى التوحيد الخالص في مشارق الأرض ومغاربها تأسيا بالنبي عليه الصلاة و السلام
الواجب على علماء المسلمين بذل أوقاتهم لنشر العقيدة الصحيحة وبيان ما يضادها من بدع(فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)
على تجار المسلمين بذل أموالهم لنشر التوحيد بكفالة الدعاة والمراكز والمعاهد والجامعات ونشر الكتب(من جهز غازيًا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)المدعو:إما طالبا للحق أو جاهلا أو معاندا.(حكمة وموعظة وجدال) بحسب حاله
صفات الداعي إلى الله:إخلاص, وعلم, وحكمة, ورفق, ورحمة, وصبر, وحسن ظن…
6- باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله:عطف الشهادة على التوحيد ليبين أن معناهما واحد أي التوحيد الذي هو وشهادة أن لا إله إلا الله
من أعظم معاني التوحيد: إفراد الله بالدعاء(أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة)
من معاني التوحيد: البراءة من الشرك وأهله(وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني) ومن معاني التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله: أن الحكم لله وحده لا شريك له(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) ومن معاني التوحيد إفراد الله بالمحبة التي تستلزم إخلاص العبادة والذل له(والذين آمنوا أشد حبا لله) أي من حب أصحاب الأنداد لأندادهم .
المحبة الخاصة بالله وهي ذل له وتعظيم ومن لوازمها محبة ما يحبه الله كحب النبي عليه السلام ومحبة الدين وأهله.والمحبة(المشتركة) أنواع منها:الطبيعية كحب الطعام ومنها محبة الإجلال كحب الأب ومنها محبة إشفاق كحب الولد ومنها محبة أنس كحب الزوجة فالأصل الحل إلا إذا ترتب عليها محذور
7- باب من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
قال السعدي: وهذا الباب يتوقف فهمه على معرفة أحكام الأسباب. وتفصيل القول فيها: أنه يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:أحدها: أن لا يجعل منها سببا إلا ما ثبت أنه سبب شرعا أو قدرا. ثانيها: أن لا يعتمد العبد عليها، بل يعتمد على مسببها ومقدرها، مع قيامه بالمشروع منها، وحرصه على النافع منها. ثالثها: أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره لا خروج لها عنه، والله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء: إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته ليقوم بها العباد، ويعرفوا بذلك تمام حكمته، حيث ربط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها، وإن شاء غيرها كيف يشاء لئلا يعتمد عليها العباد، وليعلموا كمال قدرته، وأن التصرف المطلق والإرادة المطلقة لله وحده، فهذا هو الواجب على العبد في نظره وعمله بجميع الأسباب.
إذا لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه يظن أنها دافعة ونافعة بنفسها فهذا من الشرك الأكبر وإن اعتقدها سببا لذلك فهو من الأصغر.
من الشرك ما يشاهد من تعليق الخيوط السوداء على بعض الشاحنات زاعمين أنها تدفع عنهم ضرا(من تعلق شيئا وكل إليه)
وضع المصحف في البيت أو في السيارة لدفع البلاء كل ذلك مما لم يأذن به الله ولا رسوله ولم ينقل عن أحد من الصحابة ومن بعدهم وهو من الامتهان.
الناس في الأسباب ثلاثة :من ينكرها وهم الجبرية ومن يبالغ في إثباتها كالصوفية, أما أهل السنة يثبتونها على الوجه الشرعي.
8- باب ما جاء في الرقى والتمائم
ما جاء في الرقى والتمائم من النهي عما لا يجوز منها، وذكر ما ورد عن السلف في ذلك ولم يجزم بالحكم لأن منها المشروع ومنها الممنوع .
الرقى هي القراءة على المريض فإن كان من القرآن والدعوات الطيبة فهو مشروع ونافع بإذن الله(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) قال صلى الله عليه وسلم لمن رقى المريض بالفاتحة(وما يدريك أنها رقية) إقرارا.له وقال عليه الصلاة والسلام: (اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)
التمائم: شيء يعلق على الأولاد من العين لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه.وإذا كان المعلق من الطلاسم الشركية والاستغاثات بالشياطين فهو من الشرك الأكبر وإذا كان من خرز وعظام ونحوها فمنهي عنه فلا يطلب دفع المؤذيات إلا من الله أو بما شرعه الله . وقد منع بعض السلف التمائم من القرآن سدا للذريعة وخشية الامتهان ولعموم النهي الذي لا مخصص له وهو الأحوط .
قال ابن قاسم: والتولة ممنوعة مطلقا إجماعا، قال الحافظ: التولة بكسر التاء وفتح الواو، شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر، وإنما كان من الشرك لما يراد به من دفع المضار، وجلب المنافع من غير الله تعالى. ومثل ذلك ما يعتقده بعض الجهال أن لخاتم الخطوبة أثر في التأليف.
الأصل في الرقية القراءة مباشرة على المريض, وجاء عن بعض السلف القراءة في ماء وكذا الكتابة بالزعفران ونحوه ويشربها المريض.قال ابن القيم في الطب: وَرَأَى جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ أَنْ تُكْتَبَ لَهُ الْآيَاتُ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَشْرَبَهَا. قَالَ مجاهد لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ، وَيَغْسِلَهُ، وَيَسْقِيَهُ الْمَرِيضَ، وَمِثْلُهُ عَنْ أبي قلابة.
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لِامْرَأَةٍ تَعَسَّرَ عَلَيْهَا وِلَادُهَا أَثَرٌ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُغْسَلُ وَتُسْقَى. وَقَالَ أيوب رَأَيْتُ أبا قلابة كَتَبَ كِتَابًا مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءٍ، وَسَقَاهُ رَجُلًا كَانَ بِهِ وجع.
يحذر الراقي الخلوة بالمرأة والأمرد ومن تخشى الفتنة به وكذا الطمع الدنيوي والتمادي في تصديق الشياطين.
على ولاة الأمر حماية أديان الناس من التمادي بالباطل وتحذيرهم من مكائد الشيطان وأعوانه ببث الدعاة والمصلحين ومراقبة الرقاة.
9- باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما
قال السعدي رحمه الله في القول السديد:من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما أي فإن ذلك من الشرك، ومن أعمال المشركين، فإن العلماء اتفقوا على أنه لا يشرع التبرك بشيء من الأشجار والأحجار والبقع والمشاهد وغيرها. فان هذا التبرك غلو فيها وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها، وهذا هو الشرك الأكبر كما تقدم انطباق الحد عليه، وهذا عام في كل شيء حتى مقام إبراهيم وحجرة النبي، صلى الله عليه وسلم: وصخرة بيت المقدس وغيرها من البقع الفاضلة.
التبرك هو طلب البركة والتماس الخير العاجل بما يتبرك به والبركة نوعان ذاتية وسببية.فالذاتية:خاصة بالنبي عليه الصلاة و السلام في حياته لإقراره الصحابة على التبرك بعرقه ونحوه ولا يتجاوزه إلى غيره من الصالحين.والسببية:أن يكون الشيء سببا للبركة كالمساجد والعلماء ورمضان ويوم الجمعة وماء زمزم والعسل ونحوها.ومما عمت به البلوى في كثير من الأصقاع التبرك بالقبور والقباب والأماكن والأشخاص رجاء بركتها وهو من التبرك الممنوع.
الذين طلبوا من النبي عليه السلام شجرة يتبركون بها شنع عليهم النبي عليه السلام ولم يكفرهم. لأنهم لم يفعلوا وهم حدثاء عهد بإسلام .ومع ذلك لم يعذرهم بل أنكر عليهم بقوله (الله أكبر إنها السنن لتتبعن سنن من كان قبلكم)فغلظ الأمر بهذه الثلاث.
الذين طلبوا من النبي عليه السلام التبرك بالشجر قصدوا التقرب إلى الله بذلك لظنهم أنه يحبه – جهلا منهم-فغيرهم أولى بالجهل.وهذا يفيد أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لقولهم: ونحن حدثاء عهد بكفر.
من الأوثان التي يتبرك بها وأزيلت بفضل الله :”الفحل” تأتيه المرأة العانس فتقول: يا فحل الفحول أريد زوجاً قبل الحول. ومنها غار بنت الأمير يزعمون – خرافة – أن أحد الناس أراد أن يفجر ببنت الأمير فانصدع لها جبل عن غار , ومنها قبر زيد بن الخطاب كانوا يأتون إليه ويدعونه دون الله. وكل ذلك من صور الشرك.
تقبيل الحجر الأسود ومسح الركن اليماني ليس رجاء بركتهما وإنما تعبدا وتأسيا برسول الله قال عمر:(لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك)
10- باب ما جاء في الذبح لغير الله
قال السعدي: أي أنه شرك، فإن نصوص الكتاب والسنة صريحة في الأمر بالذبح لله، وإخلاص ذلك لوجهه، كما هي صريحة بذلك في الصلاة، فقد قرن الله الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه.وإذا ثبت أن الذبح لله من أجل العبادات وأكبر الطاعات، فالذبح لغير الله شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام.فإن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده: (أن يصرف العبد نوعا أو فردا من أفراد العبادة لغير الله) .فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر.فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر الذي لا يشذ عنه شيء.كما أن حد الشرك الأصغر هو: (كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة) .فعليك بهذين الضابطين للشرك الأكبر والأصغر، فإنه مما يعينك على فهم الأبواب السابقة واللاحقة من هذا الكتاب، وبه يحصل لك الفرقان بين الأمور التي يكثر اشتباهها والله المستعان.
الذبح لله من أجل العبادات فلا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ} وقال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)
(فَصَل لِرَبِّك وَانْحَر) قال ابن تيمية: أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين وهما: الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار، وحسن الظن، وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله، وإلى عدته، عكس حال أهل الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم يسألونه إياها، والذين لا ينحرون له خوفًا من الفقر.
قال ابن القيم: من ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به وتقرب إليه بما يحب فقد عبده وإن لم يسم ذلك عبادة بل يسميه استخداما وصدق هو استخدام من الشيطان له فيصير من خدم الشيطان وعابديه وبذلك يخدمه الشيطان لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عبادة فإن الشيطان لا يخضع له ويعبده كما يفعل هو به والمقصود أن هذا عبادة منه للشيطان وإنما سماه استخداما قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}
11 – باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
قال السعدي: ما أحسن اتباع هذا الباب بالباب الذي قبله، فالذي قبله من المقاصد وهذا من الوسائل، ذاك من باب الشرك الأكبر، وهذا من وسائل الشرك القريبة، فإن المكان الذي يذبح فيه المشركون لآلهتهم تقربا إليها وشركا بالله قد صار مشعرا من مشاعر الشرك، فإذا ذبح فيه المسلم ذبيحة ولو قصدها لله، فقد تشبه بالمشركين وشاركهم في مشعرهم، والموافقة الظاهرة تدعو إلى الموافقة الباطنة والميل إليهم.
ومن هذا السبب نهى الشارع عن مشابهة الكفار في شعارهم وأعيادهم وهيئاتهم ولباسهم، وجميع ما يختص بهم إبعادا للمسلمين عن الموافقة لهم في الظاهر التي هي وسيلة قريبة للميل والركون إليهم، حتى إنه نهى عن الصلاة النافلة في أوقات النهي التي يسجد المشركون فيها لغير الله خوفا من التشبه المحذور.
12- باب من الشرك النذر لغير الله
النذر عبادة وقربة لله أمتدح الله الموفين بها قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} وفي الصحيح ” من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ” فكان صرفه لغير الله شركا أكبر كمن ينذر لقبور الأولياء والصالحين.
الأولى ترك النذر لأن النبي عليه السلام نهى عنه وأخبر أنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل .فإذا نذر طاعة وجب الوفاء.
13- باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
14- باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
قال ابن تيمية :الاستعاذة والاستجارة والاستغاثة من نوع الدعاء أو الطلب وهي ألفاظ متقاربة.وقال رحمه الله: الاستغاثة هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة كالاستنصار طلب النصر، والاستعانة طلب العون.أ.هـ والاستعاذة الالتجاء والاعتصام والتحرز وحقيقتها الهرب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه
قال ابن كثير:الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع الشر واللياذ يكون لطلب جلب الخير
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:أستجير بالله من الشيطان أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه.
الاستغاثة والاستعاذة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر كمن يطلب الشفاء من المقبورين ويطلب الرزق من الأولياء.والاستغاثة والاستعاذة بالمخلوق لا تصح إلا بحي حاضر قادر فمن استغاث بميت أو عاجز أو غائب فقد وقع في الشرك .
الاستغاثة تكون من المكروب والدعاء من المكروب وغيره فكل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة
من استدل للاستغاثة بغير الله فإما أن يكون الدليل لا يصح أو يكون الاستدلال باطلا
الأمر العجيب، وهو إقرار عبدة الأوثان أنه لا يجيب المضطر إلى الله، ولأجل هذا يدعونه في الشدائد مخلصين له الدين.قال شيخنا ابن عثيمين: وهذا موجود الآن، فمن الناس من يسجد للأصنام التي صنعوها بأنفسهم تعظيما، فإذا وقعوا في الشدة دعوا الله مخلصين له الدين، وكان عليهم أن يلجؤوا للأصنام لو كانت عبادتها حقا، إلا أن من المشركين اليوم من هو أشد شركا من المشركين السابقين، فإذا وقعوا في الشدة دعوا أولياءهم، كعلي والحسين، وإذا كان الأمر سهلا دعوا الله، وإذا حلفوا حلفا هم فيه صادقون حلفوا بعلي أو غيره من أوليائهم، وإذا حلفوا حلفا هم فيه كاذبون حلفوا بالله ولم يبالوا.
(وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) قال ابن قاسم في الحاشية: أخبر عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته رهقا وهو الطغيان.
وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا نزل واديا أو مكانا موحشا وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه. فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم خوفا منهم، زادوهم رهقا، أي خوفا وإرهابا وذعرا. فذمهم الله بهذه الآية وأخبر أنهم يزيدونهم رهقا نقيض قصدهم، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقول أحدهم إذا نزل منزلا ” أعوذ بكلمات الله التامات من شر كل ما خلق “
قال المؤلف رحمه الله :أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر أو جلب نفع لا يدل على أنه ليس من الشرك.قال شيخنا الغنيمان: يعني: كون الإنسي إذا استعاذ بالجني قد يعيذه، وكذلك إذا ذبح الإنسي للجن فقد يخرج الجني الذي فيه، وينفعه في هذا، فيكون في هذا نفع، ولكن هذا ليس دليلاً على أنه جائز، بل الله جل وعلا أخبرنا أن الخمر فيها منفعة، ولكن مضرتها أعظم، فليس كل ما فيه نفع يجوز فعله، والشرك قد يكون فيه منفعة كما ذكر، ولكن عاقبته وخيمة جداً، فالمقصود أنه ليس كل ما فيه نفع يكون جائزا ًفعله.
(لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك) إذا فعل الأسباب وانتفت الموانع. قال القرطبي: هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلاً وتجربة، فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت عليه فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمهدية ليلاً، فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات. قال المصنف: فيه فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره.
(أعوذ بكلمات الله التامات) المراد كلمات القرآن الكريم وتمامها هو الصدق في الأقوال والعدل في الأحكام (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً)
(من شر ما خلق) أي شر المخلوقات فالشر لا ينسب إلى الله لقوله عليه الصلاة والسلام(والشر ليس إليك)
التعلق بالله
إذا انقطعت أطماع عبدٍ عن الورى … تعلق بالرب الكريم رجاؤه
فأصبح حراً عزةً وقناعةً … على وجهه أنواره وضياءه
التعلق بالخلق
وإن علقت بالخلق أطماع نفسه … تباعد ما يرجو وطال عناءه
فلا ترجوا إلا الله في الخطب وحده … ولو صح في خل الصفا صفاءه
ككككككككك
15- باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}
المقصود من هذا الباب بيان ضعف المخلوق وعجزه عن نفع نفه فضلا أن ينفع غيره. وهذا من الأدلة والبراهين على تقرير استحقاق الله تعالى للعبادة دون من سواه .
هذه الادلة التي ساقها المؤلف دالة على أن (من الشرك الاستغاثة برسول الله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم ) ولكن عدل عن هذا العنوان وهو حق لأن خصوم الدعوة يتهمونها ومجددها بالجفاء بحقه عليه السلام فعنون بهذه الآية رجاء انتفاعهم.
منع التوسل بجاه النبي عليه السلام لأن جاهه لا ينتفع به إلا هو عليه السلام وكل ما روي في هذا مكذوب لا أصل له كما قرر ذلك ابن تيمية
الصحابة يتوسلون في حياته عليه السلام بدعائه وهم يؤمِّنون فلما مات طلب عمر من العباس أن يدعو ويؤمنوا ولم يصح عن واحد منهم أن دعاه
يشرع القنوت في جميع الصلوات المفروضة إذا نزلت بالمسلمين نازلة كما فعل عليه السلام بعد الركعة الأخيرة
ويكون الدعاء للنازلة
مشروعية الدعاء على الكفار في الصلوات ولو بأسمائهم(قنت النبي عليه السلام شهرا يدعو على رعل وذكوان)
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ) المقصود استبعاد فلاحهم فليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم لهذا اسلم أولئك النفر الذين دعا عليهم
يجوز لعن المعين المستحق لحديث(فجعل الناس يلعنونه)والأولى تركه لقوله عليه السلام:(لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة)
نؤمن انه عليه السلام لا يقول إلا حقا وقال:(لا أغني عنك من الله شيئا) فإذا نظرنا واقعنا تبين حقيقة التوحيد وغربة الدين وفشو الجهل والشرك
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قال لفاطمة – وهي بضعة منه ويريبه ما يربها – “يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئا” فلن يغني عن غيرها ولن يغني غيره من المقبورين عن أحد شيئا.
قال المصنف: فإذا صرح وهو سيد المرسلين بأنه لا يغني شيئا عن سيدة نساء العالمين، وآمن الإنسان أنه صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس اليوم، تبين له التوحيد وغربة الدين.
16- باب قول الله تعالى {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .
قال السعدي: وهذا أيضا برهان عظيم آخر على وجوب التوحيد وبطلان الشرك، وهو ذكر النصوص الدالة على كبرياء الرب وعظمته التي تتضاءل وتضمحل عندها عظمة المخلوقات العظيمة، وتخضع له الملائكة والعالم العلوي والسفلي، ولا تثبت أفئدتهم عندما يسمعون كلامه، أو تتبدى لهم بعض عظمته ومجده، فالمخلوقات بأسرها خاضعة لجلاله، معترفة بعظمته ومجده خاضعة له خائفة منه، فمن كان هذا شأنه فهو الرب الذي لا يستحق العبادة والحمد والثناء والشكر والتعظيم والتأله إلا هو، ومن سواه ليس له من هذا الحق شيء.
فكما أن الكمال المطلق والكبرياء والعظمة ونعوت الجلال والجمال المطلق كلها لله لا يمكن أن يتصف بها غيره، فكذلك العبودية الظاهرة والباطنة كلها حقه تعالى الخاص الذي لا يشاركه فيه مشارك بوجه.
سبحان الله العظيم ما عبدانه حق عبادته وما قدرناه حق قدره فهولاء الملائكة مع عظم خلقهم وفضلهم يعتريهم من الفزع ما يعتريهم عند كلامه فصدق الله العظيم {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
في هذا الباب بيان ضعف الملائكة الذين هم أقوى من عبد دون الله فكيف يدعونهم من دون الله ؟ فغيرهم من باب أولى.
الكلام الذي يتكلم به ربنا تعالى نوعان وحي خاص لا يمكن أن يطلع عليه أحد إلى منتهاه ونوع يخبر به جبريل الملائكة وهو الذي يقع الاستراق منه
(كأنه سلسلة على صفوان) ليس المراد تشبيه صوت الله لأن الله لَيْس كَمِثْلِه شَيْء بل تشبيه ما يحصل لهم من الفزع بفزع من يسمع السلسلة
استراق الشياطين السمع قبل البعثة كان كثيرا وانقطع مع نزول الوحي وبعد انقطاع الوحي. هل عاد أم لا ؟ قولان والله أعلم
العجب من قبول النفوس للباطل فهم يتعلقون بالكاهن لصدقه مرة وأما كذبه مرارا فلا يعتبرون به. فالسفهاء يغترون بالمصالح المغمور بالمفاسد عكس أهل العقول.
واقع كثير من وسائل الإعلام وتعامل الناس معها يشبه واقع الكهان فالكذب وتزييف الحقائق كثير وما زال الناس يتعلقون بها فالحمد لله على كل حال
الشيء إذا كان فيه نوع من الحق لا يدل على أنه حق كله بل لا يدل على إباحته كما في الكهانة والسحر والتنجيم
17- باب الشفاعة
لما تعلق المشركون بأذيال الشفاعة وان لهولاء المدعوين جاه ومنزلة عند الله وقالوا ما دعوناهم إلا لطلب القرب والشفاعة{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}بين رحمه الله الجائز والممنوع منها.وأنها لله جميعا فلا تطلب الا من الله.
الشفاعة طلب الخير للغير وقد بين في هذا الباب ما أثبته القرآن منها وما نفاه وحقيقة ما دل القرآن على إثباته وشروطها.
تباينت مذاهب الناس في الشفاعة:فمنهم من يثبتها مطلقًا فيطلبها من غير الله كعباد القبور.ومنهم من ينكر كالخوارج والمعتزلة وأما أهل السنة فيثبتونها كما جاءت في الكتاب والسنة.
قال أبو هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم :(من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة …فقال أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه.
حقيقة الشفاعة: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود
18- باب قول الله تعالى {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} .
المقصود أنه مع عظم جاه رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يستطع هداية عمه فكيف يدعى؟ وغيره من باب أولى.فجاه رسول الله ومنزلته وعمله له والله جل وعلا ما أمرنا أن نسأله بجاهه.
حيث انه عليه الصلاة والسلام لا يستطيع هداية أحد إلا بإذن الله فلا يشفع لأحد إلا بإذن الله تعالى ورضاه سبحانه.
قال المصنف رحمه الله :أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال للرجل: “قل لا إله إلا الله” فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام.
19- باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم وهو الغلو في الصالحين
من أعظم أسباب وقوع الناس في الكفر هو الغلو والإفراط في تعظيم الأشخاص مع الجهل والتقليد الأعمى و العناد.
جاءت الشريعة بذم الغلو في الدين وهو الزيادة عن الحد المشروع (يا أَهْل الكتاب لا تَغْلُوا في دينِكم)
قال عليه السلام:(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله)وقال(إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)
معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل فالواجب الحذر والتحذير من البدع في الدين فكل بدعة ضلالة.
فضل العلم وأهله والحذر من ضياع العلم وتخاذل العلماء لقوله:(ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت)
وفيه ما يدل على طول نفس الشيطان
من صور الغلو في القبور:دعاؤها أو رجاء الإجابة عندها وكثرة التردد عليها قال عليه السلام: (لا تجعلوا قبري عيدا)
حديث:(لا تجعلوا بيوتكم قبورا) أي لا تدفنوا فيها الأموات ولا تتركوها من نوافل الصلاة كما تترك المقابر من الصلاة
20- باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟!
قال في تيسير العزيز الحميد :نَوَّعَ المصنف التحذير من الافتتان بالقبور، وأخرجه في أبواب مختلفة، ليكون أوقع في القلب، وأحسن في التعليم، وأعظم في الترهيب، فإذا كان قصد قبور الصالحين لعبادة الله عندها فيه من النهي والوعيد ما سَيَمُرُّ بك إن شاء الله، فكيف بعبادة أربابها من دون الله واعتيادها لذلك في اليوم والأسبوع والشهر مرات كثيرة.
قال شيخنا عبدالله الغنيمان: فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك: الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها ,ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم ولعنه للذين يبنون على القبور مساجد ليس لأجل نجاسة المقابر أو نجاسة القبر التي يزعمون أنها بسب الصديد؛ ولهذا لا يوجد فرق بين كون المقبرة قديمة أو حديثة، ولا يوجد فرق -على القول الصحيح عند العلماء الذين فهموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم- بين كونها قبوراً متعددة أو قبراً واحداً، ولا يوجد فرق من كون المسجد إذا وضع فيه قبر أن يكون في قبلة المسجد أو خلفه أو يمينه أو شماله، بل الصلاة عند القبور باطلة إذا كان المسجد بني على القبر أو وضع القبر فيه ، ولكن إذا كان المسجد سابقاً وجب أن يزال القبر، فينبش ويذهب به إلى المقبرة، أما إذا بني المسجد على القبر فيجب أن يهدم المسجد؛ لأنه وضع وضعاً غير شرعي مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله، وكل هذا خوفاً من أن يتعلق قلب المسلم بغير الله جل وعلا، وقد علم كيف صارت المقابر معابد وأصناماً تقصد بسبب تعظيم القبور؛ ولهذا نهى صلوات الله وسلامه عليه أن ترفع القبور، وأن يزاد عليها غير ترابها، بل أمر أن تسوى بالأرض.
قال ابن رجب رحمه الله في الفتح:قال القرطبي: بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعلوا حيطان تربته، وسدوا الداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذ كان مستقبل المصلين فتتصور إليه الصلاة بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره. ولهذا المعنى قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره.
قال في تيسير العزيز الحميد: ويدل أيضًا على أن قصد الرجل القبر لأجل السلام إذا لم يكن يريد المسجد من اتخاذه عيدًا المنهي عنه، ولهذا لما رأى الحسن بن الحسن سهيلا عند القبر نهاه عن ذلك وذكر له الحديث مستدلا به، وأمر بالسلام عليه عند دخول المسجد. قال شيخ الإسلام: ما علمت أحدًا، أي: من علماء السلف رخص فيه، لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدًا، ويدل أيضًا على أن قصد القبر للسلام إذا دخل المسجد ليصلي منهي عنه، لأن ذلك من اتخاذه عيدًا، وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك.
الجواب عن قبره عليه السلام: لم يدفن في المسجد ولم يبن المسجد على القبر وإنما دخل في التوسعة ولم يكن برضى جميع الصحابة
رأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال القبر القبر وهذا يدل على أنه كان من المستقر عند الصحابة منع الصلاة عند القبور
قال المصنف رحمه اله: العبرة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في ذلك. كيف بين لهم هذا أولا، ثم قبل موته بخمس، قال ما قال، ثم لما كان في السياق لم يكتف بما تقدم.
21- باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله
قال السعدي : تفصيل القول فيما يفعل عند قبور الصالحين وغيرهم.
وذلك أن ما يفعل عندها نوعان: مشروع وممنوع. أما المشروع فهو ما شرعه الشارع من زيارة القبور على الوجه الشرعي من غير شد رحل، يزورها المسلم متبعا للسنة فيدعو لأهلها عموما، ولأقاربه ومعارفه خصوصا، فيكون محسنا إليهم بالدعاء لهم وطلب العفو والمغفرة والرحمة لهم، ومحسنا إلى نفسه باتباع السنة وتذكر الآخرة والاعتبار بها والاتعاظ.
أما الممنوع فإنه نوعان:
أحدهما: محرم ووسيلة للشرك كالتمسح بها والتوسل إلى الله بأهلها، والصلاة عندها، وكإسراجها والبناء عليها، والغلو فيها وفي أهلها إذا لم يبلغ رتبة العبادة.
والنوع الثاني: شرك أكبر كدعاء أهل القبور والاستغاثة بهم، وطلب الحوائج الدنيوية والأخروية منهم، فهذا شرك أكبر، وهو عين ما يفعله عباد الأصنام مع أصنامهم.
من الغلو في القبور البناء عليها وتشريفها وأشنع منه رجاء بركتها وأشنع منه جعلها وسائط عند الله وأشنع منه عبادتها
من الجفاء في القبور امتهانها والمشي عليها وتركها عرضة للدواب والبهائم وعدم تسويرها وترك زيارتها فإنها تذكر الآخرة وتزهد بالدنيا
قال في فتح المجيد:قوله: “اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد” قد استجاب الله دعاءه كما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
فأجاب رب العالمين دعاءه … وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى غدت أرجاؤه بدعائه … في عزة وحماية وصيان
ودل الحديث على أن قبر النبي صلي الله عليه وسلم لو عبد لكان وثنا، لكن حماه الله تعالى بما حال بينه وبين الناس فلا يوصل إليه. ودل الحديث على أن الوثن هو ما يباشره العابد من القبور والتوابيت التي عليها. وقد عظمت الفتنة بالقبور لتعظيمها وعبادته.
قال ابن تيمية: وَلَمْ يَعْتَمِدْ الْأَئِمَّةُ؛ لَا الْأَرْبَعَةُ وَلَا غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَرْوِيهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. مِثْلَ مَا يَرْوُونَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ زَارَنِي فِي مَمَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي} وَمِنْ قَوْلِهِ: {مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي فِي عَامٍ وَاحِدٍ ضَمِنْت لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ} وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهَا. وَلَمْ يَرْوِهَا لَا أَهْلُ الصِّحَاحِ وَلَا أَهْلُ السُّنَنِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا كَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِي. لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ بَلْ مَوْضُوعَةٌ كَمَا قَدْ بَيَّنَ الْعُلَمَاءُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا.
وقال رحمه الله :وَكَرِهَ مَالِكٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَة كُلَّمَا دَخَلَ إنْسَانٌ الْمَسْجِدَ أَنْ يَأْتِيَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. قالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَلَنْ يُصْلِحَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا.
وقال رحمه الله : وَأَمَّا دُخُولُهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ هُنَاكَ أَوْ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْرَعْهُ لَهُمْ بَلْ نَهَاهُمْ وَقَالَ: {لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي} فَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْبَعِيدِ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ…. وَكَانَ أَصْحَابُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ وَهُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِسُنَّتِهِ وَأَطْوَعُ الْأُمَّةِ لِأَمْرِهِ. وَكَانُوا إذَا دَخَلُوا إلَى مَسْجِدِهِ لَا يَذْهَبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى قَبْرِهِ
22- باب ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك
كل دعوة النبي عليه الصلاة والسلام بل وجميع الانبياء والمرسلين جاءت حماية لجناب التوحيد وتحقيقا له ومفصود المصنف هنا بيان حمايته الخاصة مما يبطل بالتوحيد من الاقوال والاعمال أو ينقصه.
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ومقتضى هذه الأوصاف دلالتهم على التوحيد وتحذيرهم من الشرك قال في فح الحميد:أي شاق عليه عنتكم ومضاركم وأي ضرر أعظم من الشرك والكفر والنفاق الذي يخلد صاحبه في النار أبد الآبدين حريص عليكم أي على صلاح شأنكم وأي صلاح أعظم من صلاح التوحيد الذي لو يأتي صاحبه بقراب الأرض خطايا لأتاه ربه بها مغفرة بالمؤمنين رؤوف رحيم.
وقال في قرة عيون الموحدين:وجه الدلالة بالآية أنه صلي الله عليه وسلم يعز عليه كل ما يؤثم الأمة ويشق عليهم، وأعظم ما يؤثم الأمة ويشق عليهم الشرك بالله قليله وكثيره ووسائله وما يقرب منه من كبائر الذنوب، وقد بالغ صلي الله عليه وسلم في النهي عن الشرك وأسبابه أعظم مبالغة كما لا يخفى، وقد كانت هذه حال أصحابه – رضي الله عنهم – في قطعهم الخيوط التي رقي للمريض فيها ونحو ذلك من تعليق التمائم.
اعتنى النبي عليه السلام بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك فالواجب على الجماعات المنتسبة للاسلام وقادتها العناية بما اعتنى به عليه السلام
23- باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
قال شيخنا الغنيمان:مراده بهذا الرد على الذين يعبدون القبور ويقولون: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب) ، ولقوله: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) ، فاعتقدوا أن الشرك غير واقع في هذه الأمة، وأفعالهم سموها توسلاً وحباً للصالحين، وجعلوها قربات، يعتقدون أنها تقربهم إلى الله، وهذا بسبب جهلهم بدين الإسلام، الدين الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم جهلوه، فجعلوا مجرد النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله كاف في نجاة الإنسان.
وهذا جهل عظيم أكثر من جهل أبي جهل، وأمثاله الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أولئك لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (قولوا: لا إله إلا الله) ، قالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟! يعني: عرفوا أنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله وجب عليهم أن يعبدوا إلهاً واحداً، ويتبرءون من بقية الآلهة التي هي معبودات باطلة على تنوعها، وهؤلاء ما عرفوا هذا، والسبب في هذا يدور على شيئين: أحدهما: جهلهم معنى العبادة، ما عرفوا معنى العبادة، فصاروا يقصرون العبادة على السجود، وعلى اعتقاد أن المسجود له يحيي ويميت ويتصرف بالخلق والإيجاد، فإذا لم يكن كذلك فمهما صنعت نحوه من الدعاء والتوسل والالتجاء إليه لا يكون شركاً.
الأمر الثاني: أنهم جهلوا معنى الإله الذي يعرفه العرب من لغتهم، فهو الذي تألهه القلوب بأي شيء كان
قال المصنف:العجب العجاب: خروج من يدعي النبوة، مثل المختار، مع تكلمه بالشهادتين، وتصريحه بأنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق. وفيه: أن محمدا خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عصر الصحابة، وتبعه فئام كثيرة.
قال في تيسير العزيز الحميد:وهذا يوجب للقلب الحي أن يخاف من الشرك، لا كما يقول الجهال: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، ولهذا أمنوا الشرك فوقعوا فيه
الجواب عن قوله عليه السلام(إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب)أن هذا حكاية يئس الشيطان لما رأى عز الإسلام وقيل غير هذا
قال عليه السلام:(لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر..) هذا عام لكنه مخصوص بقوله:(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم) فهنيئا لمن تمسك بالكتاب والسنة.
من أعظم البشائر أن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضى وأنه مع قلة أهله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.
قال في تيسير العزيز الحميد:قوله: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) . أي: الأمراء والعلماء والعباد، الذين يقتدي بهم الناس، ويحكمون فيهم بغير علم فيضلون ويضلون، فهم ضالون عن الحق مضلون لغيرهم، كما قال تعالى عن أهل النار: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} 1. وقال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} 2. وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} 3. ولشدة الضرورة إلى اتباع أئمة الهدى ومعرفتهم، والتفريق بينهم وبين أئمة الضلال المغضوب عليهم والضالين، أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى سلوك صراط أئمة الهدى، وهم المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم؛ الذين يعلمون الحق ولا يعملون به، ولا الضالين الذين يعملون على غير شرع من الله، بل بما تهوى أنفسهم.
من العجائب: خروج من يدعي النبوة مع تكلمه بالشهادتين وأن القرآن حق وفيه أن محمدا خاتم النبيين، ومع هذا يصدق هذا كله مع التضاد الواضح.
24- باب ما جاء في السحر
كثر الحر في زمن المؤلف كما هو الحال في زماننا وحيث أن السحر لا يكون الا عن طريق الشرك غالبا نبه عليه ليتقى ويحذر
قال في فتح المجيد: السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطُف سببه، ولهذا جاء الحديث: 2 ” إن من البيان لسحرا ” 3. وسمي السحر سحرا؛ لأنه يقع خفيا آخر الليل. قال أبو محمد المقدسي في الكافي: “” السحر عزائم ورُقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه”. قال الله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} 4. وقال سبحانه: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 5. يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن. ولولا أن للسحر حقيقة لم يأمر الله بالاستعاذة منه
السحر يدخل في الشرك من جهة ما فيه من استخدام الشياطين مقابل التقرب إليها ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب
لا يمكن للساحر أن يكون ساحرا إلا إذا تقرب إلى الشياطين بأنواع الكفر الأكبر المخرج من الملة كتدنيس المصحف وترك الطهارة…
اليهود من أكثر الناس تعلماً للسحر وممارسة له، ويدعون – كذبا وبهتانا – أن سليمان عليه السلام علمهم، إياه وهم الذين سحروا النبي عليه السلام كما في الصحيح.
نزه القرآن الكريم نبي الله سليمان عليه السلام أن يكون ساحراً. فما زعمته بنو إسرائيل قول باطل، وإنما كان الجن مسخرين له بأمر الله تعالى لا بالسحر(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)
عن بجالة بن عبدة، قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
الموبقات:الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات
قال أبو حيان رحمه الله في البحر المحيط: وَأَمَّا حُكْمُ السِّحْرِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالشَّيَاطِينِ، وَإِضَافَةِ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ إِلَيْهَا، فَهُوَ كُفْرٌ إِجْمَاعًا، لَا يَحِلُّ تَعَلُّمُهُ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ.وَكَذَا مَا قُصِدَ بِتَعَلُّمِهِ سَفْكُ الدِّمَاءِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْأَصْدِقَاءِ.
قال حافظ حكميرحمه الله: السحر متحقق وجوده وتأثيره مع مصادفة القدر الكوني، كما قال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ} وتأثيره ثابت في الأحاديث الصحيحة، وأما الساحر فإن كان سحره مما يتلقى عن الشياطين، كما نصت عليه آية البقرة فهو كافر، لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} إلى قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}
يؤثر السحر باعتبار المحل على القلب بالحب والبغض وعلى البدن بالضعف وعلى الدماغ بالجنون وعلى الشهوة بتبريدها أو تأججها وعلى العين بالتخييل.
علاقة الساحر بالجن علاقة معاوضة فإعانة الجن للساحر مقابل الكفر كما قال تعالى:(وما يُعَلِّمَانِ من أَحد حتَّى يقولا إِنَّما نحن فتنةٌ فَلا تكفر)
الساحر حده القتل وهذا هو المروي عن الصحابة لأنه كافر مرتد بسحره ولأنه من الذين يسعون في الأرض فسادا.
قال في فتح المجيد:قوله: ” حد الساحر ضربه بالسيف “. وروي بالهاء وبالتاء، وكلاهما صحيح. وبهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة فقالوا: يقتل الساحر. وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب.
قال البخاري في التأريخ الكبير: جُندُب بْن كَعب.قاتل الساحر.وَقَالَ الأَعمش: عَنْ إِبْرَاهِيم، أُراه، عَنْ عَبد الرَّحمَن بْن يزيد؛ أن جُندُبا قتلَ الساحر، زمن الوليد بْن عُقبة.حدَّثنا إِسحاق، حدَّثنا خَالِد الواسِطِيّ، عَنْ خَالِد الحَذّاء، عَنْ أَبِي عثمان؛ كَانَ عَنْد الوليد رجلٌ يلعب، فذبح إنسانا، وأَبان رأسه، فعجبْنا، فأعاد رأسه، فجاء جُندُب الأَزدِيّ، فقتلَهُ.
قال ابن قاسم رحمه الله في الحاشية: ظاهره أنه يقتل من غير استتابة، وهو المشهور عن أحمد، وبه قال مالك وأبو حنيفة؛ لأن الصحابة لم يستتيبوهم، ولأن علم السحر لا يزول بالتوبة. وعنه يستتاب وفاقا للشافعي، واختاره الشيخ وغيره؛ لأن ذنبه لا يزيد على الشرك، وصحح الشارح الأول لظاهر عمل الصحابة، فلو كانت الاستتابة واجبة لفعلوها أو بينوها، وقياسه على المشرك لا يصح؛ لأنه أكثر فسادا وتشبيها من المشرك وقال الشيخ وغيره: إن رأى الإمام قتله كالزنديق فله ذلك للمصلحة.
25- باب بيان شيء من أنواع السحر
مقصود المصنف إزالة اللبس واظهار الفرق بين كرامات الاولياء والأحوال الشيطانية التي غرت كثيرا من الجهال وظنوا أنها تدل على ولاية لأن الكرامة شيء خارق للعادة من عند الله يكرم به أولياءه، لا قصد لهم فيه ولا تحدي، ولا قدرة ولا علم،وانما تأييدا وتثبيتا فسببها التقوى والإيمان بخلاف الشعوذة والأحوال الشيطانية فتكون على أيدي المشعوذين والدجالين وسببها الذنوب والمعاصي.
قال ابن تيمية رحمه الله: وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ – كَأَبِي يَزِيدَ البسطامي وَغَيْرِهِ -: لَوْ رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا وُقُوفَهُ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ رَأَيْتُمْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ. فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُتَّبِعُونَ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
قال أبو السعادات: العيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، وهو من عادة العرب كثيرًا وهو كثير في أشعارهم، يقال: عاف يعيف عيفًا: إذا زجر وحدس وظن.
وزجر الطير عندهم أن يحرك طيرا حتى ينظر إلى أين تتحرك، ثم يفهم من ذلك الزجر أن هذا الأمر الذي سيقدم عليه أمر محمود أو أمر مذموم، أو يطلع بحقيقة زجر الطير على مستقبل الحال، فهذا نوع من الجبت، وهو السحر.وذلك أن العيافة يستند فيها الإنسان إلى أمر لا حقيقة له وإنما هي أشاء موهومة
الطرق :هي خطوط عشوائية يخطها في الأرض ثم يمسحها بطريقة معينة ويستدل بذلك على ما يريد وهو الرمال ومثله قراءة الكف والفنجان وأبراج الحظ وكلها لا حقيقة انما المقصود منها التموية فان حقيقتها دعوى علم الغيب باستخدام الشياطين.
من أنواع السحر الفصاحة التي يقصد منها قلب الحقائق وإبطال الحق كما قال عليه الصلاة والسلام لمن سجع: (إنما هذا من إخوان الكهان) وقال: (إن من البيان لسحرا)
الألعاب البهلوانية وما يسمى بالسيرك او خفة اليد من السحر التخييلي كالذي يطعن نفسه بخنجر من باب الحيلة أو يدخل النار وقد دهن جسمه أو يقف على عصى صغير كل هذا من الشعوذة.قالت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة ابن باز رحمهم الله: هذه الأعمال شعوذة أو سحر وتلبيس على الناس، وهي محرمة، فيجب على ولاة الأمور من العلماء والحكام إنكارها والقضاء عليها، وليست تلك الظواهر الغريبة من الكرامات التي يظهرها الله تعالى على يد أوليائه المؤمنين تكريما لهم ولا علامة على صلاح من ظهرت على يده؛ لأن أولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى المعروفون بطاعة الله ورسوله، كما قال الله سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
من مفاسد مهرجانات الدجل أنها وسيلة لتعلم السحر والخلط بين الحق والباطل والتغرير بالجهال وأكل الأموال بالباطل وضياع الأوقات وإلقاء الشبه والتشبه بالكفار.
قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز رحمهم الله:التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني حتى يسلطه المنوم على المنوم فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه إن صدق مع المنوم وكان طوعا له مقابل ما يتقرب به المنوم إليه ويجعل ذلك الجني المنوم طوع إرادة المنوم بما يطلبه من الأعمال أو الأخبار بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقا أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوم غير جائز، بل هو شرك.
وجه كون النميمة(العضه) من السحر بجامع الإفساد بين الناس لأن النمام يفسد في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة
26- باب ما جاء في الكهان ونحوهم
قال في تيسير العزيز الحميد: اعلم أن الكهان الذين يأخذون عن مسترقي السمع موجودون إلى اليوم، لكنهم قليل بالنسبة لما كانوا عليه في الجاهلية، لأن الله تعالى حرس السماء بالشهب، ولم يبق من استراقهم إلا ما يخطفه الأعلى، فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب.
وأما ما يخبر به الجني مواليه من الإنس بما غاب عن غيره مما لا يطلع عليه الإنسان غالبًا فكثير جدًّا في أناس ينتسبون إلى الولاية والكشف، وهم من الكهان إخوان الشياطين لا من الأولياء.
قال في فتح المجيد عن أخبار الكهان: والواقع أن ذلك من تآلف روح الشيطان القرين مع روح قرينه الإنسان الخبيث، فيتناجيان ويتكلم الشيطان مع قرينه بما يحب من الأخبار التي يتلقاها الشيطان عن الشيطان الآخر قرين الإنسان الآخر. وهكذا فإن لكل إنسان قرينا من الشيطان كما جاء ذلك في القرآن والسنة. فيخبر شيطان الإنس بما أوحى إليه شيطان الجن من أخبار السائل وأحواله في منزله وخصوصية نفسه مما ألقاه إليه الشيطان القرين, فيظن الجهلة والمغفلون أن ذلك عن صلاح وتقوى وكرامات، وأنه بصلاحه قد كشف الحجاب عنه. وهذا من أضل الضلال ومن أعظم الخذلان، وإن اعتقده وخدع به كثير ممن ينتسب إلى ظاهر العلم والصلاح.
والكهانة ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب حسي يوهمون به الناس
قال البغوي العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك وقيل هو الكاهن
وقال أبو العباس ابن تيمية العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق
وقال :وما يأتي به الكاهن من خبر الجنّ غايته أنّه سمعه الجني لمّا استرق السمع؛ مثل الذي يستمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون. وقال:أما الكاهن، والمنجم، ونحو هؤلاء، فيكذبون كثيراً، كما يصدقون أحياناً، ويُخبرون بجمل غير مفصّلة”
قال في زاد المعاد: كُلَّمَا كَانَ الرَّائِي أَصْدَقَ كَانَتْ رُؤْيَاهُ أَصْدَقَ، وَكُلَّمَا كَانَ الْمُعَبِّرُ أَصْدَقَ، وَأَبَرَّ وَأَعْلَمَ كَانَ تَعْبِيرُهُ أَصَحَّ، بِخِلَافِ الْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ، وَأَضْرَابِهِمَا مِمَّنْ لَهُمْ مَدَدٌ مِنْ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ؛ فَإِنَّ صِنَاعَتَهُمْ لَا تَصِحُّ مِنْ صَادِقٍ وَلَا بَارٍّ، وَلَا مُتَقَيِّدٍ بِالشَّرِيعَةِ، بَلْ هُمْ أَشْبَهُ بِالسَّحَرَةِ الَّذِينَ كُلَّمَا كَانَ أَحَدُهُمْ أَكْذَبَ وَأَفْجَرَ، وَأَبْعَدَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، كَانَ السِّحْرُ مَعَهُ أَقْوَى وَأَشَدَّ تَأْثِيرًا، بِخِلَافِ عِلْمِ الشَّرْعِ وَالْحَقِّ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ كُلَّمَا كَانَ أَبَرَّ وَأَصْدَقَ وَأَدْيَنَ كَانَ عِلْمُهُ بِهِ وَنُفُوذُهُ فِيهِ أَقْوَى، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الكهان لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطبائع نارية يفزعون إلى الجن في أمورهم ويستفتونهم في الحوادث فيلقون إليهم الكلمات
قال ابن حجر: قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَؤُلَاءِ الْكُهَّانُ فِيمَا عُلِمَ بِشَهَادَةِ الِامْتِحَانِ قَوْمٌ لَهُمْ أَذْهَانٌ حَادَّةٌ وَنُفُوسٌ شِرِّيرَةٌ وَطَبَائِعُ نَارِيَّةٌ فَهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَى الْجِنِّ فِي أُمُورِهِمْ وَيَسْتَفْتُونَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ فَيُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْكَلِمَاتِ ثُمَّ تَعَرَّضَ إِلَى مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الشُّعَرَاءِ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على من تنزل الشَّيَاطِين قَوْلُهُ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَيْسُوا بِشَيْءٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ لَهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ أَيْ لَيْسَ قَوْلُهُمْ بِشَيْءٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا وَلَمْ يُحْكِمْهُ مَا عَمِلَ شَيْئًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَرَافَعُونَ إِلَى الْكُهَّانِ فِي الْوَقَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَيَرْجِعُونَ إِلَى أَقْوَالِهِمْ وَقَدْ انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ بِالْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لَكِنْ بَقِيَ فِي الْوُجُودِ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ فَلَا يَحِلُّ إِتْيَانُهُمْ وَلَا تَصْدِيقُهُمْ.
في صحيح الامام مسلم رحمه الله عن بعض أزواج النبي عليه السلام أنه قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة )
وفي امسند الامام أحمد رحمه الله قال عليه السلام :من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم).
قال بعض العلماء من سأل الكاهن ولم يصدقه (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) وان صدقه (كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ) و قيل إن سأله عن أمر ماض لم تقبل الصلاة وان سأله عن أمر مستقبل كفر.
الحذر من إتيان السحرة والكهان والحذر من تصديقهم فلا يعلم الغيب إلا الله وهم ليسوا بشي(قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)
في الصحيحين عن عائشة قالت : سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بشيء قالوا : يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مئة كذبة.
ما تبثه قنوات السحر من أعظم المنكرات ومن أعظم الفساد وإضلال الناس .وهي علوم تقوم على الكذب والدجل ودعوى علم الغيب فيجب الحذر من مشاهدة قنوات ومواقع الشعوذة ولو لمجرد الفرجة كما يحرم الاتصال على هواتفهم والمشاركة ببرامجها .
ربما جهل بعض الناس في سالف أيامه فأتى كاهنا أو قارئ كف أو رمال فسأله فعليه التوبة النصوح والندم على ما سلف والعزم على عدم العود
يستخدم الكاهن وسيلة ظاهرة كالنجوم أو الخط أو الودع أو قراءة الكف أو النظر في الحصى ونحو ذلك ليقنع السائل بأنه وصل إليه العلم عن طريقها
كتابه أبي جاد(أ ب ج د هـ و ز..) وتعلمها لدعوى معرفة علم الغيب هو الذي صاحبه ليس له عند الله من خلاق فأما تعليمها للتهجي وحساب الجمل فلا بأس
27- باب ما جاء في النشرة
لما ذكر المصنف حكم السحر والكهانة ذكر ما جاء في النشرة لأنها قد تكون من قبل الشياطين والسحرة فتكون مضادة للتوحيد وقد تكون مشروعة بما اذن الله به من قراءة اقران والدعوات الطيبة.
باب ما جاء في النشرة: قال ابن الجوزي : النشرة حل السحر عن المسحور ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر وقال أبو السعادات النشرة: ضرب من العلاج والرقية يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء.
قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: أحدهما: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى لشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.
والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة. فهذا جائز.
قال في معارج القبول:
وحله بالوحي نصا يشرع……….أما بسحر مثله فيمنع
الذهاب إلى السحرة والمشعوذين منكر عظيم والفتوى بجوازه تفتح بابا خطيرا للمشعوذين والدجالين فهذا يعقد والآخر يحل.ولا يمكن أن يأمر الله بقتل السحرة ويأذن بالذهاب إليهم فهذا تناقض ظاهر.
قال في أضواء البيان : التَّحْقِيقُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ اسْتِخْرَاجَ السِّحْرِ إِنْ كَانَ بِالْقُرْآنِ كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَجُوزُ الرُّقْيَا بِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بِسِحْرٍ أَوْ بِأَلْفَاظٍ عَجَمِيَّةٍ، أَوْ بِمَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ، أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ. وَهَذَا وَاضِحٌ وَهُوَ الصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا تَرَى.
قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز رحم الله الجميع: لا يجوز لك أن تذهب إلى ساحر من أجل أن يحل السحر الذي تجده في نفسك بسحر مثله
قال ابن مفلح في الاداب:وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُتَحَصَّنُ بِهِ مِنْ السِّحْرِ وَمِنْ أَنْفَعِ عِلَاجٍ لَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوَكُّلُ الْقَلْبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالتَّعَوُّذُ وَالدُّعَاءُ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا قَبْلَهُ بَلْ قَدْ
يُقَالُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا غَيْرَهُ، وَهُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى، وَالنِّهَايَةُ الْعُظْمَى، وَلِهَذَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ، وَإِنَّمَا دَفَنَهُ لِئَلَّا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى مَفْسَدَةٍ وَانْتِشَارِهَا، لَا لِتَوَقُّفِ الشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَعِنْدَ السَّحَرَةِ أَنَّ سِحْرَهُمْ إنَّمَا يَتِمُّ فِي قَلْبٍ ضَعِيفٍ مُنْفَعِلٍ وَنَفْسٍ شَهْوَانِيَّةٍ كَجَاهِلٍ وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ لَا فِي قَلْبِ مُتَيَقِّظٍ عَارِفٍ بِاَللَّهِ لَهُ مُعَامَلَةٌ وَتَوَجُّهٌ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ الضَّعِيفَ فِيهِ مَيْلٌ وَتَعَلُّقٌ فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَالْأَرْوَاحُ الْخَبِيثَةُ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ بِمَيْلِهِ إلَى مَا يُنَاسِبُهَا وَفَرَاغِهِ عَمَّا يُعَارِضُهَا وَيُقَاوِمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
من أعظم ما يرشد إليه المسحور والمبتلى الدعاء والتضرع إلى الله(وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)
في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ “
على المريض والمبتلى انتظار الفرج وإحسان الظن بالله والحذر من القنوط من رحمة الله (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)
الصدقة أمام الحاجة معروفة لدى السلف والخواص يقدمونها أمام حاجاتهم إلى الله كحاجتهم إلى شفاء مريضهم لكن على قدر البلية في عظمها وخفتها
كان ذوو الفهم عن الله إذا كان لهم حاجة يريدون سرعة حصولها كشفاء مريض يأمرون باصطناع طعام حسن ويقدم لأهل الحاجات
قال في فيض القدير:فأمر بمداواة المرضى بالصدقة ونبه بها على بقية أخواتها من القرب كإغاثة ملهوف وإغاثة مكروب
قال في فيض القدير:وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية
يبتلي الله الحكيم العليم عبده بالمرض ويكون فيه خير وأجر وقوة إيمانه وقربه منه باستكانته وتضرعه وخضوعه لله وتوكله عليه ودعائه له
يجب على العبد إذا نزل به البلاء أن يحتسب الأجر ويصبر على البلاء حتى يفوز برضا الله سبحانه عنه وزيادة حسناته ورفع درجاته في الآخرة
عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»رواه مسلم
قَالَ عليه الصلاة والسلام : إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ.رواه الترمذي وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» قال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»
قال ابن بطال:وفى كتب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسى وذوات قل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به؛ فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.
28- باب ما جاء في التطير
التطير:أصله من التشاؤم بالطير إن طار يمنة تيمنوا به وإن طار يسره تشاءموا فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير بل الشؤم لازم لهم لخبثهم كما قال تعالى: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} وهو ما معهم من الشرك والشر، المقتضي لوقوع المكروه والنقمة، وارتفاع المحبوب والنعمة.
قال ابن القيم:التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره وامتنع بها مما عزم عليه فقد قرع باب الشرك بل ولجه
الطيرة من الشرك المنافي للتوحيد أو لكماله لأنها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته وهي من عمل أهل الجاهلية والواجب كمال التوكل وحسن الظن
جاء في الصحيح قوله عليه السلام: “الشؤم في ثلاث: في المرأة، والدابة، والدار”
قال في تيسير العزيز الحميد: أنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك وقالت: “كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم من حدث بها ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في المرأة والدار والدابة” ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} . رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم وصححه بمعناه. وقال الخطابي وابن قتيبة: هذا مستثنى من الطيرة، أي: الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع والطلاق ونحوه، ولا يقيم على الكراهة والتأذي به فإنه شؤم.
وقالت طائفة: لم يجزم النبي صلى الله عليه وسلم بالشؤم في هذه الثلاثة، بل علقه على الشرط كما ثبت ذلك في الصحيح، ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد بمفردها، قالوا: والراوي غلط.
قلت: لا يصح تغليطه مع إمكان حمله على الصحة، ورواية تعليقه بالشرط لا تدل على نفي رواية الجزم.
وقالت طائفة أخرى: الشؤم بهذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها فيكون شؤمها عليه، ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشئومة عليه، قالوا: ويدل عليه حديث أنس: “الطيرة على من تطير”. وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببًا لحلول المكروه، كما يجعل الثقة به والتوكل عليه، وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر.
قال ابن القيم: إخباره بالشؤم أَنه يكون فِي هَذِه الثَّلَاثَة لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات الطَّيرَة الَّتِي نفاها وَإِنَّمَا غَايَته إِن الله سُبْحَانَهُ قد يخلق مِنْهَا أعيانا مشؤمة على من قاربها وسكنها وأعيانا مباركة لَا يلْحق من قاربها مِنْهَا شُؤْم وَلَا شَرّ وَهَذَا كَمَا يعْطى سُبْحَانَهُ الْوَالِدين ولدا مُبَارَكًا يريان الْخَيْر على وَجهه وَيُعْطى غَيرهمَا ولدا مشؤما نذلا يريان الشَّرّ على وَجهه وَكَذَلِكَ مَا يعطاه العَبْد ولَايَة أَو غَيرهَا فَكَذَلِك الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس وَالله سُبْحَانَهُ خَالق الْخَيْر وَالشَّر والسعود والنحوس فيخلق بعض هَذِه الْأَعْيَان سعودا مباركة وَيقْضى سَعَادَة من قارنها وَحُصُول الْيمن لَهُ وَالْبركَة ويخلق بعض ذَلِك نحوسا يتنحس بهَا من قارنها وكل ذَلِك بِقَضَائِهِ وَقدره.
العدوى ثابتة قال عليه السلام (لا يورد ممرض على مصح )وأما قوله( لا عدوى) فنفي ما كانت الجاهلية تعتقده من سريانها بنفسها من غير تقدير الله
(الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل) أي وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك رواه أبو داود والترمذي وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود.قال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا: “وما منا” هذا عندي من قول ابن مسعود، فالترمذي نقل ذلك عن سليمان بن حرب ووافقه على ذلك العلماء. قال ابن القيم: وهو الصواب، فإن الطيرة نوع من الشرك.
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة:لَيْسَ فِي الْإِعْجَاب بالفأل ومحبته شىء من الشّرك بل ذَلِك إبانة عَن مُقْتَضى الطبيعة وَمُوجب الْفطْرَة الإنسانية الَّتِي تميل إِلَى مايلائمها ويوافقها مِمَّا ينفعها كَمَا أخْبرهُم أَنه حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا النِّسَاء وَالطّيب 00
وَفِي بعض الْآثَار أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُعجبهُ الفاغية وهى نور الْحِنَّاء وَكَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل وَكَانَ يحب الشَّرَاب الْبَارِد الحلو وَيُحب حسن الصَّوْت بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَان ويستمع إِلَيْهِ وَيُحب معالي الْأَخْلَاق وَمَكَارِم الشيم وَبِالْجُمْلَةِ يحب كل كَمَال وَخير وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِمَا وَالله سُبْحَانَهُ قد جعل فِي غرائز النَّاس الْإِعْجَاب بِسَمَاع الإسم الْحسن ومحبته وميل نُفُوسهم إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ جعل فِيهَا الإرتياح والاستبشار وَالسُّرُور باسم السَّلَام والفلاح والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز وَالظفر وَالْغنم وَالرِّبْح وَالطّيب ونيل الأمنية والفرح والغوث والعز والغنى وأمثالها فَإِذا قرعت هَذِه الْأَسْمَاء الأسماع استبشرت بهَا النَّفس وانشرح لَهَا الصَّدْر وقوى بهَا الْقلب وَإِذا سَمِعت أضدادها أوجب لَهَا ضد هَذِه الْحَال فأحزنها ذَلِك وأثار لَهَا خوفًا وطيرة وأنكماشا وانقباضا عَمَّا قصدت لَهُ وعزمت عَلَيْهِ فأورث لَهَا ذَلِك ضَرَرا فِي الدُّنْيَا ونقصا فِي الْإِيمَان ومقارفة للشرك .
جاء في فتح الباري لابن حجر: قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ لِأَنَّ التَّشَاؤُمَ سُوءُ ظَنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ وَالتَّفَاؤُلُ حُسْنُ ظَنٍّ بِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى التَّرَخُّصِ فِي الْفَأْلِ وَالْمَنْعُ مِنَ الطِّيَرَةِ هُوَ أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ رَأَى شَيْئًا فَظَنَّهُ حَسَنًا مُحَرِّضًا عَلَى طَلَبِ حَاجَتِهِ فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ وَإِنْ رَآهُ بِضِدِّ ذَلِكَ فَلَا يَقْبَلُهُ بَلْ يَمْضِي لِسَبِيلِهِ فَلَوْ قَبِلَ وَانْتَهَى عَنِ الْمُضِيِّ فَهُوَ الطِّيَرَةُ الَّتِي اخْتُصَّتْ بِأَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الشُّؤْمِ وَالله أعلم
قال في فتح المجيد: قوله: ” إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك “. هذا حد الطيرة المنهي عنها: أنها ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده، ويمنعه من المضي فيه كذلك. وأما الفأل الذي كان يحبه النبي صلي الله عليه وسلم فيه نوع بشارة، فيسر به العبد ولا يعتمد عليه بخلاف ما يمضيه أو يرده، فإن للقلب عليه نوع اعتماد. فافهم الفرق والله أعلم.
29- باب ما جاء في التنجيم
قال ابن تيمية رحمه الله: التَّنْجِيمِ ” الَّتِي مَضْمُونُهَا الْأَحْكَامُ وَالتَّأْثِيرُ وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ وَالتَّمْزِيجِ بَيْنَ الْقُوَى الْفَلَكِيِّ وَالْقَوَابِلِ الْأَرْضِيَّةِ: صِنَاعَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ بَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى لِسَان جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}…. وَهَكَذَا الْوَاقِعُ؛ فَإِنَّ الِاسْتِقْرَاءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ النُّجُومِ لَا يُفْلِحُونَ؛ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.
قال السعدي رحمه الله : التنجيم نوعان:
نوع يسمى علم التأثير: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الكونية، فهذا باطل ودعوى لمشاركة الله في علم الغيب الذي انفرد به، أو تصديق لمن ادعى ذلك، وهذا ينافي التوحيد لما فيه من هذه الدعوى الباطلة، ولما فيه من تعلق القلب بغير الله، ولما فيه من فساد العقل لأن سلوك الطرق الباطلة وتصديقها من مفسدات العقول والأديان.
النوع الثاني: علم التسيير: وهو الاستدلال بالشمس والقمر والكواكب على القبلة والأوقات والجهات، فهذا النوع لا بأس به
قال شيخنا ابن عثيمين: وهل من الكهانة ما يخبر به الآن من أحوال الطقس في خلال أربع وعشرين ساعة أو ما أشبه ذلك؟
الجواب: لا; لأنه أيضا يستند إلى أمور حسية، وهي تكيف الجو; لأن الجو يتكيف على صفة معينة تعرف بالموازين الدقيقة عندهم; فيكون صالحا لأن يمطر، أو لا يمطر، ونظير ذلك في العلم البدائي إذا رأينا تجمع الغيوم والرعد والبرق وثقل السحاب، نقول: يوشك أن ينزل المطر. فالمهم أن ما استند إلى شيء محسوس; فليس من علم الغيب….
والشيء الذي يدرك بالحس إنكاره قبيح; كما قال السفاريني:
فكل معلوم بحس أو حجا … فنكره جهل قبيح بالهجا
فالذي يعلم بالحس لا يمكن إنكاره ولو أن أحدا أنكره مستندا بذلك إلى الشرع; لكان ذلك طعنا بالشرع.
قال الإمام ابن القيم في كتابه النفيس الماتع (مفتاح دار لسعادة) ردا على من زعم تأثير النجوم: وأما قولهم أن في اتصالات الكواكب نظر سعود ونحوس مما أضحكوا به العقلاء عليهم من جميع الأمم ونادوا به على جهلهم وصاروا به مركزا لكل كذاب وكل أفاك وكل زنديق وكل مفرط في الجهل بالنبوات وما جاءت به الرسل بالحقائق العقلية والبراهين اليقينية وسنريك طرفا من جهالاتهم وكذبهم وتناقضهم وبطلان مقالتهم ليعرف اللبيب نعمة الله عليه في عقله ودينه .
قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز رحمهم الله: تعليق النحس والسعد في الأفلاك والأبراج من شرك الأوائل من المجوس، والصابئة من الفلاسفة، ونحوهم من طوائف الكفر والشرك، وادعاء علم ذلك هو في الظاهر ادعاء لعلم الغيب، وهذا منازعة لله في حكمه، وهذا شرك عظيم، ثم هو في حقيقته دجل وكذب وتلاعب بعقول الناس، وأكل لأموالهم بالباطل، وإدخال للفساد في عقائدهم والتلبيس عليهم.وعليه فإن (أبراج الحظ) يحرم نشرها والنظر فيها وترويجها بين الناس، ولا يجوز تصديقهم، بل هو من شعب الكفر والقدح في التوحيد
30- باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
قال ابن قاسم رحمه الله:أي من النهي عن ذلك والوعيد الشديد، والتغليط الأكيد، وبيان أنه كفر، والاستسقاء طلب السقيا، والمراد به هنا نسبة السقيا ومجيء المطر إلى الأنواء.
باب الاستسقاء وقبله باب التنجيم؛ كليهما يتحدث عن النجوم وأثرها، إلا أن هذا الباب خاص بنسبة المطر إلى النجم، والذي قبله عام في الإخبارات المنسوبة إلى النجم.
من اعتقد أن النجم هو المُوجد للمطر كالذين قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا أو استغاث بالنجم لإنزال المطر فهذا مشرك شركا أكبر أما من اعتقد أن النجم سبب للمطر والله هو الفاعل فهذا من الشرك الأصغر.
31- باب قول الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}
قال ابن تيمية رحمه الله:اعْلَمْ أَنَّ مُحَرِّكَاتِ الْقُلُوبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ : الْمَحَبَّةُ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ . وَأَقْوَاهَا الْمَحَبَّةُ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ تُرَادُ لِذَاتِهَا لِأَنَّهَا تُرَادُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِخِلَافِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ يَزُولُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وَالْخَوْفُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الزَّجْرُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الطَّرِيقِ فَالْمَحَبَّةُ تَلْقَى الْعَبْدَ فِي السَّيْرِ إلَى مَحْبُوبِهِ وَعَلَى قَدْرِ ضَعْفِهَا وَقُوَّتِهَا يَكُونُ سَيْرُهُ إلَيْهِ وَالْخَوْفُ يَمْنَعُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ طَرِيقِ الْمَحْبُوبِ وَالرَّجَاءُ يَقُودُهُ فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا تَحْصُلُ لَهُ الْعُبُودِيَّةُ بِدُونِهِ وَكُلُّ أَحَدٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ . فَإِنْ قِيلَ فَالْعَبْدُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُهُ عَلَى طَلَبِ مَحْبُوبِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يُحَرِّكُ الْقُلُوبَ ؟ قُلْنَا يُحَرِّكُهَا شَيْئَانِ – أَحَدُهُمَا كَثْرَةُ الذِّكْرِ لِلْمَحْبُوبِ لِأَنَّ كَثْرَةَ ذِكْرِهِ تُعَلِّقُ الْقُلُوبَ بِهِ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالذِّكْرِ الْكَثِيرِ فَقَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } الْآيَةَ . وَالثَّانِي : مُطَالَعَةُ آلَائِهِ وَنَعْمَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
المحبة: ميل القلب إلى المحبوب وهي وصف قائم بالقلب يؤدي إلى السرور وغيره من المقتضيات كالطاعة ونحوها. ومحبة الله أصل الدين بكمالها يكمل الإيمان وبنقصانها ينقص .قال في فتح المجيد:قال بعض السلف : ادعى قوم محبة الله فأنزل الله تعالى آية المحنة : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها فدليلها وعلامتها : اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم وفائدتها وثمرتها محبة المرسل لكم فما لم تحصل منكم المتابعة فمحبتكم له غير حاصلة ومحبته لكم منتفية .
قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )متفق عليه
قال ابن القيم رحمه الله:ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المحبة وهي
المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب فيالها من نعمة على المحبين سابغة تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون.
قال ابن القيم رحمه الله:
وعبادة الرحمن غاية حبه … مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر … ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله … لا بالهوى والنفس والشيطان
فقيام دين الله بالإخلاص والإ … حسان إنهما له أصلان
لم ينج من غضب الإله وناره … إلا الذي قامت به الأصلان
والناس بعد فمشرك بإلهه … أو ذو ابتداع أو له الوصفان
والله لا يرضى بكثرة فعلنا … لكن بأحسنه مع الإيمان
قال ابن القيم في الفوائد:والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها فإنها غاية الحب بغاية الذل ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملا .
قال ابن تيمية رحمه الله: والعبادة تجمع كمال الحب مع كمال الذل فهم يحبونه أعظم مما يحب كل محب لمحبوبه كما قال تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) وكل ما يحبونه سواه فإنما يحبونه لأجله كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله: ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار “
وقال:والعبادات تتضمن كمال الحب وكمال الخضوع فمن أحب شيئا من المخلوقات كما يحب الخالق فهو مشرك (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا).
قال ابن تيمية رحمه الله:قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ فَهُوَ مُرْجِئٌ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ فَهُوَ حَرُورِيٌّ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ.
قال في تيسير العزيز الحميد:واعلم أن المحبة قسمان مشتركة وخاصة فالمشتركة ثلاثة أنواع أحدها محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء ونحو ذلك وهذه لا تستلزم التعظيم الثاني محبة رحمة وإشفاق كمحبة الوالد لولده الطفل وهذه أيضا لا تستلزم التعظيم الثالث محبة أنس والف وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضا وكمحبة الإخوة بعضهم بعضا فهذه الأنواع الثلاثة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض ووجودها فيهم لا يكون شركا في محبة الله ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب الحلواء والعسل وكان يحب نساءه وعائشة أحبهن اليه وكان يحب أصحابه وأحبهم اليه الصديق رضي الله عنه .القسم الثاني المحبة الخاصة التي لا تصلح الا لله ومتى أحب العبد بها غيره كان شركا لا يغفره الله وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة وايثاره على غيره فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلا.
قال ابن بازرحمه الله : محبة الكفار وإعانتهم على باطلهم ، واتخاذهم أصحابا وأخدانا ونحو ذلك من كبائر الذنوب ، ومن وسائل الكفر بالله . فإن نصرهم على المسلمين وساعدهم ضد المسلمين ، فهذا هو التولي ، وهو من أنواع الردة عن الإسلام ؛ لقول الله سبحانه : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }.
الفرق التاسع عشر والمائة بين قاعدة بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق الآية فمنع الموالاة والتودد وقال في الآية الأخرى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم الآية وقال في حق الفريق الآخر إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية
وقال صلى الله عليه وسلم استوصوا بأهل الذمة خيرا وقال في حديث آخر استوصوا بالقبط خيرا فلا بد من الجمع بين هذه النصوص وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب وأن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام
من المصائب افتتان بعض المسلمين بحب الكفار من الرياضيين والفنانين والساسة وغيرهم ومتابعة أخبارهم
قال الامام الرحبي رحمه الله في إعتقاد أهل السنة:حب الكفار وهو قسمان أيضاً : 1- حبهم لأجل كفرهم – 2- حبهم رغم كفرهم . فمن أحب الكفار على كفرهم أو رغم كفرهم فهو كافر مثلهم قالى تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ .
الرضى بما عليه الكفار , فمن رضي بما عليه الكفار من الكفر فقد صار كافراً مثلهم . نصرة الكفار : فمن خرج في صفوف الكفار المعلنين بالكفر محارباً من يليه من المسلمين، فقد صار كافراً مثلهم قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ، قال ابن كثير: ” ظالمي أنفسهم بترك الهجرة ” . وقال تعالى: (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ . قال بن جرير : “لاتتخذوا أيها المؤمنون الكفار أعواناً وظهوراً تظاهرونه على المؤمنين من دون المسلمين فمن فعل ذلك فقد صار كافراً مثلهم “.قال ابن حزم في المحلى :- ” من لحق بدار الحرب راضياً مختاراً محارباً من يليه من المسلمين فقد صار بهذا الفعل مرتداً ، تجرى عليه أحكام الردة ، من انفساخ عقد نكاح، ووجوب قتله متى قدر عليه “
قال القرافي رحمه الله في الفروق : ” الفرق التاسع عشر والمائة بين قاعدة بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق الآية فمنع الموالاة والتودد وقال في الآية الأخرى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم الآية وقال في حق الفريق الآخر إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية وقال صلى الله عليه وسلم استوصوا بأهل الذمة خيرا وقال في حديث آخر استوصوا بالقبط خيرا فلا بد من الجمع بين هذه النصوص وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب وأن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام … وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة تعيَّن علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب ، ولا تعظيم شعائر الكفر ، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع ، وصار من قبيل ما نُهي نهى في الآية وغيرها”.
قال شيخنا ابن عثيمين:وواجب المسلم أن يكره الكفار وأن يعلم أنهم أعداء له مهما أبدوا من الصداقة والمودة والمحبة فإنهم لن يتقربوا إليك إلا لمصلحة أنفسهم ومضرتك، أما أن يتقربوا إليك لمصلحتك فهذا شيء بعيد إن كان يمكن أن نجمع بين الماء والنار فيمكن أن نجمع بين محبة الكفار لنا وعداوتهم لنا .لأن الله تعالى سماهم أعداء قال { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } وقال عز وجل {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين }.
قال في النونية:
شرط المحبة أن توافق من … تحب على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلا … فك ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي … حبا له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهدا أحبابه … أين المحبة يا أخا الشيطان
ليس العبادة غير توحيد المحبـ … ـة مع خضوع القلب والأركان
جاء في الصحيحين عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)
أحب في الله وأبغض في الله ووال في الله وعاد في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك, صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا. اللهم اجمع شتلت قلوبنا على طاعتك.
32- باب قول الله تعالى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها وأجمع العبادة فيجب إخلاصها لله.قال ابن تيمية رحمه الله: { إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . فَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خَوْفِ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ وَأَمَرَهُمْ بِخَوْفِهِ وَخَوْفُهُ يُوجِبُ فِعْلَ مَا أَمَرَ بِهِ وَتَرْكَ مَا نَهَى عَنْهُ وَالِاسْتِغْفَارَ مِنْ الذُّنُوبِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الْبَلَاءُ وَيَنْتَصِرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ فَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَخَافَنَّ عَبْدٌ إلَّا ذَنْبَهُ . وَإِنْ سُلِّطَ عَلَيْهِ مَخْلُوقٌ فَمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ إلَّا بِذُنُوبِهِ فَلْيَخَفْ اللَّهَ وَلْيَتُبْ مِنْ ذُنُوبِهِ الَّتِي نَالَهُ بِهَا مَا نَالَهُ.
قال شيخنا الغنيمان: الخوف مما يعبد من دون الله هذا الخوف الذي يسمى: خوف غيبي، يخافه أي: يخاف شيئاً وهو غائباً عنه، لا يشاهده وليس حاضراً عنده، ولكن يخاف أن يصيبه بمصيبة مستقبلة، أو بألم في بدنه، أو بمصائب في ماله أو أهله، أو ما يستقبله من حياته.وهذا يسمى خوف السر، ومعنى خوف السر: أنه يخافه لسر فيه، وأنه يأتي عقابه سراً.
خوف السر: أن يخاف من غير الله أن يصيبه ببلاء سواء ادعى أن ذلك كرامة للمخوف بالشفاعة أو على سبيل الاستقلال لأن هذا من خصائص الله.قال ابن تيمية رحمه الله: وَمَا رَجَا أَحَدٌ مَخْلُوقًا أَوْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ إلَّا خَابَ ظَنُّهُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُشْرِكٌ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاَللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَان سَحِيقٍ}. وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُ يَخَافُ الْمَخْلُوقِينَ، وَيَرْجُوهُمْ، فَيَحْصُلُ لَهُ رُعْبٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} وَالْخَالِصُ مِنْ الشِّرْكِ يَحْصُلُ لَهُ الْأَمْنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
ترك الإنسان ما يجب عليه خوفا من الناس محرم وهو نوع من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد. قال ابن تيمية رحمه الله: فَإِنْ كَمُلَ خَوْفُ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا سِوَاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ } وَإِذَا نَقَصَ خَوْفُهُ خَافَ مِنْ الْمَخْلُوقِ وَعَلَى قَدْرِ نَقْصِ الْخَوْفِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ الْخَوْفُ.
قال في تيسير العزيز الحميد: الخوف الطبيعي كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق ونحو ذلك فهذا لا يذم وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلاة والسلام في قوله: (فخرج منها خائفا يترقب) .
قال ابن القيم رحمه الله في اغاثة اللهفان: فصل ومن كيد عدوع الله تعالى : أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف ولا ينهونهم عن المنكر وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان وقد أخبرنا الله تعالى سبحانه عنه بهذا قال : (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوفم وخافون إن كنتم مؤمنين) المعنى عند جميع المفسرين : يخوفكم بأوليائه قال قتادة : يعظمهم في صدوركم ولهذا قال فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم.
قال ابن القيم في طريق الهجرتين:وقد قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فكلما كان العبد بالله أعلم كان له أخوف قال ابن مسعود وكفى بخشية الله علما ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به فأعرف الناس أخشاهم لله ومن عرف الله اشتد حياؤه منه وخوفه له وحبه له وكلما ازداد معرفة ازداد حياء وخوفا وحبا فالخوف من أجل منازل الطريق وخوف الخاصة أعظم من خوف العامة وهم إليه أحوج وهم بهم أليق ولهم ألزم فإن العبد إما أن يكون مستقيما أو مائلا عن الاستقامة فإن كان مائلا عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف وهو ينشأ من ثلاثة أمر أحدها معرفته بالجناية وقبحها والثاني تصديق الوعيد وأن الله رتب على المعصية عقوبتها والثالث أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه.
قال في مدارج السالكين: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : حد الخوف ما حجزك عن معاصي الله فما زاد على ذلك : فهو غير محتاج إليه
وهذا الخوف الموقع في الإياس : إساءة أدب على رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه وجهل بها وأما حبس الرجاء : أن يخرج إلى الأمن فهو أن لا يبلغ به الرجاء إلى حد يأمن معه العقوبة فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وهذا إغراق في الطرف الآخر بل حد الرجاء : ما طيب لك العبادة وحملك على السير فهو بمنزلة الرياح التي تسير السفينة فإذا انقطعت وقفت السفينة وإذا زادت ألقتها إلى المهالك وإذا كانت بقدر أوصلتها إلى البغية.
قال في الجواب الكافي:فَعَلَى قَدْرِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ يُحِبُّهُ النَّاسُ ، وَعَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ يَخَافُهُ الْخَلْقُ ، وَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وَحُرُمَاتِهِ يُعَظِّمُهُ النَّاسُ ، وَكَيْفَ يَنْتَهِكُ عَبْدٌ حُرُمَاتِ اللَّهِ ، وَيَطْمَعُ أَنْ لَا يَنْتَهِكَ النَّاسُ حُرُمَاتِهِ أَمْ كَيْفَ يَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ وَلَا يُهَوِّنُهُ اللَّهُ عَلَى النَّاسِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَسْتَخِفُّ بِمَعَاصِي اللَّهِ وَلَا يَسْتَخِفُّ بِهِ الْخَلْقُ ؟.
وقال في طريق الهجرتين: خوف الله وخشية عقابه وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده ووعيده والإيمان به وبكتابه وبرسوله وهذا السبب يقوى بالعلم.
قيل للحسن : نراك طويل البكاء ، فقال : أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي, وقيل له :كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفونا؟قال:والله لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف.
33 – باب قول الله تعالى (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)
التوكل هو صدق التفويض والاعتماد على الله في جميع الأمور مع فعل الأسباب و من أعظم الأسباب في حصول الخير ودفع الشر في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم في الفوائد: قاعدة: التوكل على الله نوعان احدهما توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية او دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية والثاني التوكل عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الايمان واليقين والجهاد والدعوة اليه وبين النوعين من الفضل ما لا يحصيه الا الله فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية ومتي توكل عليه في النوع الأول دون الثاني كفاه أيضا لكن لا يكون له عاقبة المتوكل عليه فيما يحبه ويرضاه فاعظم التوكل عليه التوكل في الهداية وتجريد التوحيد ومتابعة الرسول وجهاد أهل الباطل فهذا توكل الرسل وخاصة اتباعهم
التوكل تارة يكون توكل اضطرار والجاء بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا وزرا الا التوكل كما اذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن ان لا ملجأ من الله الا اليه وهذا لا يتخلف عنه الفرج والتيسير البتة وتارة يكون توكل اختيار وذلك التوكل مع وجود السبب المفضي الى المراد فان كان السبب مأمورا به ذم على تركه وان قام السبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا فانه واجب باتفاق الأمة ونص القرآن والواجب القيام بهما والجمع بينهما وان كان السبب محرما حرم عليه مباشرته وتوحد السبب في حقه في التوكل فلم يبق سبب سواه فان التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد ودفع المكروه بل هو أقوى الأسباب على الاطلاق وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو لا يضعفه فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه اولى وان لم يضعفه فمباشرته أولى لأن حكمه أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به فلا تعطل حكمته. مهما أمكنك القيام بها ولا سيما اذا فعلته عبودية فتكون قد أتيت بعبودية القلب بالتوكل وعبودية الجوارح بالسبب المنوى به القربة والذي يحقق لتوكل القيام بالأسباب المأمور بها فمن عطلها لم يصح توكله كما أن القيام بالأسباب المفضية الي حصول الخير يحقق رجاءه فمن لم يقم بها كان رجاؤه تمنيا كما أن من عطلها يكون توكله عجزا وعجزه توكلا
وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب علي الله وحده فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون اليها كما لا ينفعه قوله توكلت علي الله مع اعتماده على غيره وركونه اليه وثقته به فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء.
وقَالَ ابن تيمية رحمه الله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}.فَذَمَّ مَنْ يَتْرُكُ الْمَأْمُورَ بِهِ اكْتِفَاءً بِمَا يَجْرِي بِهِ الْقَدَرُ.وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ السَّبَبَ الْمَأْمُورَ بِهِ، أَوْ الْمُبَاحَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي وُجُودِ السَّبَبِ، بَلْ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ إلَى اللَّهِ ثَابِتَةٌ مَعَ فِعْلِ السَّبَبِ.إذْ لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ وَحْدَهُ سَبَبٌ تَامٌّ لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ.
قال في المدارج: التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة ومنزلته : أوسع المنازل وأجمعها ولا تزال معمورة بالنازلين لسعة متعلق التوكل وكثرة حوائج العالمين وعموم التوكل ووقوعه من المؤمنين والكفار والأبرار والفجار والطير والوحش والبهائم فأهل السموات والأرض المكلفون وغيرهم في مقام التوكل وإن تباين متعلق توكلهم فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في حصول ما عليه في الإيمان ونصرة دينه وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه وفي محابه وتنفيذ أوامره ودون هؤلاء من يتوكل عليه في استقامته في نفسه وحفظ حاله مع الله فارغا عن الناس ودون هؤلاء من يتوكل عليه في معلوم يناله منه من رزق أو عافية أو نصر على عدو أو زوجة أو ولد ونحو ذلك ودون هؤلاء من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالبا إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه بل قد يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحاب الطاعات ولهذا يلقون أنفسهم في المتالف والمهالك معتمدين على الله أن يسلمهم ويظفرهم بمطالبهم
فأفضل التوكل : التوكل في الواجب أعني واجب الحق وواجب الخلق وواجب النفس وأوسعه وأنفعه : التوكل في التأثير في الخارج فى مصلحة دينية أو في دفع مفسدة دينية وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله ودفع فساد المفسدين في الأرض وهذا توكل ورثتهم ثم الناس بعد في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم فمن متوكل على الله في حصول الملك ومن متوكل في حصول رغيف
ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله فإن كان محبوبا له مرضيا كانت له فيه العاقبة المحمودة وإن كان مسخوطا مبغوضا كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه وإن كان مباحا حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه إن لم يستعن به على طاعاته والله أعلم
وقال رحمه الله: فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله
والتحقيق : أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به ولا التوكل على من لا ترجوه والله أعلم.أ.هـ
جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه( {حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}).
قال في الروح:فصل والفرق بين التوكل والعجز أن التوكل عمل القلب وعبوديته اعتمادا على الله وثقة به والتجاء إليه وتفويضا إليه ورضا بما يقضيه له لعلمه بكفايته سبحانه وحسن اختياره لعبده إذا فوض إليه مع قيامه بالأسباب المأمور بها واجتهاده في تحصيلها فقد كان رسول الله أعظم المتوكلين وكان يلبس لامته ودرعه بل ظاهر يوم أحد بين درعين واختفى في الغار ثلاثا فكان متوكلا في السبب لا على السبب وأما العجز فهو تعطيل الأمرين أو أحدهما فإما أن يعطل السبب عجزا منه ويزعم أن ذلك توكل ولعمر الله إنه لعجز وتفريط وإما أن يقوم بالسبب ناظرا إليه معتمدا عليه غافلا عن المسبب معرضا عنه.
سئل الامام أحمد بن حنبل عن التوكل فقال : قطع الاستشراف إلى الخلق ; أي لا يكون في قلبك أن أحدا
34 – باب قول الله تعالى (أفأمنوا مكر الله …)
قال ابن قاسم رحمه الله:أراد المصنف بالترجمة بهذه الآية التنبيه على أن الأمن من مكر الله من أعظم الذنوب، وأنه ينافي التوحيد، كما أن القنوط من رحمة الله كذلك، وذلك يرشد إلى أن المؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، كما دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، فلا يغلب جانب الرجاء فيأمن مكر الله، ولا يغلب جانب الخوف فييأس من روح الله. قال بعض السلف: (( من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن )). قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}
قال في مدارج السالكين: ولهذا قيل في حد الرجاء هو النظر إلى سعة رحمة الله وقال أبو علي الروذباري الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.
قال في غذاء الألباب: وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ لا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ , وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا مُتَعَادِلَيْنِ كَجَنَاحَيْ الطَّائِرِ .وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُغَلَّبُ الْخَوْفُ مُطْلَقًا , وَقِيلَ يُغَلَّبُ الرَّجَاءُ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ يُغَلَّبُ الْخَوْفُ فِي الصِّحَّةِ وَالرَّجَاءُ فِي الْمَرَضِ .. .وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُغَلِّبُ الشَّابُّ الرَّجَاءَ وَالشَّيْخُ الْخَوْفَ .قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيُغَلِّبُ يَعْنِي الْمَرِيضَ رَجَاءَهُ , وَفِي الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَلِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ , وَقَالَهُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ .وَنَصُّ الإِمَامِ رضي الله عنه : يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا .زَادَ فِي رِوَايَةٍ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ .قَالَ شَيْخُنَا :وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ , وَلِهَذَا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الْخَوْفِ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ , إمَّا فِي نَفْسِهِ , وَإِمَّا فِي أُمُورِ النَّاسِ , وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الرَّجَاءِ بِلا خَوْفٍ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الأَمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ , إمَّا فِي نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي النَّاسِ .قَالَ : وَالرَّجَاءُ بِحَسَبِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ يَجِبُ تَرْجِيحُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا ) وَأَمَّا الْخَوْفُ فَيَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى تَفْرِيطِ الْعَبْدِ وَتَعَدِّيهِ , فَإِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لا يَأْخُذُ إلا بِالذَّنْبِ , انْتَهَى كَلامُهُ فِي الْفُرُوعِ .
يغلب الرجاء على الخوف في أوقات تنزل الرحمات وعند قرب الأجل ويغلب جانب الخوف في حال الصحة والبطر وعند قسوة القلب
القنوط من رحمة الله: استبعاد الفرج فهو سوء ظن بالله. والأمن من مكر الله: بأن يعصي الله مع استدراجه بالنعم فلا يخاف العقوبة وهو الاغترار باستدراج الله للعاصي بالنعم ولذا قال شيخنا ابن عثيمين:كل نعمة فلله عليك وظيفة شكرها، وهي القيام بطاعة المنعم، فإذا لم تقم بها مع توافر النعم; فاعلم أن هذا من مكر الله.
القنوط من رحمة الله طعن في قدرة الله فإنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وطعن في رحمته سبحانه فإن رحمت الله وسعت كل شيء . قال في الفرقان بين اولياء الرحمن: فَإِنَّ الْقُنُوطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَالُهُمْ مُقَابِلٌ لِحَالِ مُسْتَحِلِّي الْفَوَاحِشِ ؛ فَإِنَّ هَذَا أَمِنَ مَكْرَ اللَّهِ بِأَهْلِهَا وَذَاكَ قَنَّطَ أَهْلَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ؛ وَالْفَقِيهُ كُلُّ الْفَقِيهِ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَيِّسُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا يُجَرِّئُهُمْ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ .
قال ابن تيمية رحمه الله: وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَظُمَتْ الذُّنُوبُ وَكَثُرَتْ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يَقْنَطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ وَلَا أَنْ يُقَنِّطَ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ . قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفَقِيهِ الَّذِي لَا يُؤَيِّسُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا يُجَرِّئُهُمْ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ .
وَالْقُنُوطُ يَكُونُ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ . إمَّا لِكَوْنِهِ إذَا تَابَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَيَغْفِرُ ذُنُوبَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَقُولَ نَفْسُهُ لَا تُطَاوِعُهُ عَلَى التَّوْبَةِ ؛ بَلْ هُوَ مَغْلُوبٌ مَعَهَا وَالشَّيْطَانُ قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَيْأَسُ مِنْ تَوْبَةِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهَذَا يَعْتَرِي كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ . وَالْقُنُوطُ يَحْصُلُ بِهَذَا تَارَةً وَبِهَذَا تَارَةً : فَالْأَوَّلُ { كَالرَّاهِبِ الَّذِي أَفْتَى قَاتِلَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ فَقَتَلَهُ وَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ دُلَّ عَلَى عَالِمٍ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَأَفْتَاهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ } . وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَالثَّانِي كَاَلَّذِي يَرَى لِلتَّوْبَةِ شُرُوطًا كَثِيرَةً وَيُقَالُ لَهُ لَهَا شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَيَيْأَسُ مِنْ أَنْ يَتُوبَ .
قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: فَصْلٌ:وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ اعْتَمَدُوا عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ ، وَضَيَّعُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ، وَنَسُوا أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْعَفْوِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ فَهُوَ كَالْمُعَانِدِ .
قَالَ مَعْرُوفٌ : رَجَاؤُكَ لِرَحْمَةِ مَنْ لَا تُطِيعُهُ مِنَ الْخِذْلَانِ وَالْحُمْقِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْكَ فِي الدُّنْيَا بِسَرِقَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، لَا تَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ هَذَا .
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ : نَرَاكَ طَوِيلَ الْبُكَاءِ ، فَقَالَ : أَخَافُ أَنْ يَطْرَحَنِي فِي النَّارِ وَلَا يُبَالِي .
وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيُّ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ تَوْبَةٍ ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ : لِأَنِّي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّي ، وَكَذَبَ ، لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ .
وَسَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيدٍ كَيْفَ نَصْنَعُ بِمُجَالَسَةِ أَقْوَامٍ يُخَوِّفُونَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى تُدْرِكَ أَمْنًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفُ .
35 – باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله
الصبر من الفرائض ومن واجبات الايمان وتركه يخل في التوحيد وقد يبطله فصارت العناية به من الإيمان.قال في فتح المجيد: قال الإمام أحمد : ذكر الله تعالى الصبر في تسعين موضعا من كتابه وفي الحديث الصحيح : [ الصبر ضياء ] رواه أحمد ومسلم وللبخاري ومسلم مرفوعا : [ ما أعطى أحد عطاء خيرا أوسع من الصبر ] قال عمر رضي الله عنه : وجدنا خير عيشنا بالصبر رواه البخاري قال علي رضي الله عنه : [ إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ـ ثم رفع صوته ـ فقال : ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ]
واشتقاقه : من صبر إذا حبس ومنع والصبر حبس النفس عن الجزع وحبس اللسان عن التشكي والتسخط والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما ذكره ابن القيم رحمه الله
واعلم أن الصبر ثلاثة أقسام : صبر على ما أمر الله به وصبر عما نهى عنه وصبر على ما قدره من المصائب.
بالصبر ينال الأجر العظيم فإن الله جل وعلا يوفي الصابر أجره بغير حساب: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وفي الصحيحين ( ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ).و في البخاري قال: عمر رضي الله عنه: (وجدنا خير عيشنا بالصبر). وقال علي رضي الله عنه: (إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له). قال تعالى:(ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ..) قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
قال شيخنا ابن عثيمين:للإنسان عند المصائب أربعة مقامات: الأول: التسخط، وهو حرام ومن كبائر الذنوب. والثاني: الصبر، وهو واجب. والثالث: الرضا، وهو سنة مستحب. والرابع: الشكر، وهو أعلى المقامات.
مما يدل على عدم الصبر ما يحدث عند وقوع المصائب من لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية. ففي الصحيحين عن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :(ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية).
اصبر على الحق تستعذب مغبته…والصبر للحق أحيانا له مضض
وما استربت فكن وقافة حذرا…قد يبرم الأمر أحيانا فينتقض
مما يسلي المصاب عند المصيبة:
1- أن يعلم العبد أنه وما يملك ملك لله.
2- العلم بما يعقب الصبر من الاجر (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
3- العلم بما يعقبها من اللذة والسرور.
4- النظر فيما أبقى الله له وما يخلفه.
5- التأسي بأهل المصائب.
6- العلم بأن الجزع لا يرد مفقودا.
7- العلم بأن الجزع يفوت العاقبة.
8- العلم بأن الجزع يشمت الاعداء وسوء الصديق وغضب الرب ويسر الشيطان.
9- العلم بأن حضك من المصيبة ما يحدث لك فإن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط .
10- العلم بان الصبر محبوب لله .
11- العلم بأنها ابتلاء من أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين.
12- ومما يسلي العبد عند المصائب ويوجب له الصبر والتسليم: الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره وحلوه ومره.
قال ابن تيمية في الفتاوى: فإن الله أمر نبيه بالهجر الجميل والصفر الجميل والصبر الجميل فالهجر الجميل هجر بلا أذى والصفح الجميل صفح بلا عتاب والصبر الجميل صبر بلا شكوى قال يعقوب عليه الصلاة و السلام انما أشكو بثي وحزني الى الله مع قوله فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون فالشكوى الى الله لا تنافي الصبر الجميل.
قال ابن القيم في حادي الارواح:(وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) فإن في الصبر من الخشونة وحبس النفس عن شهواتها ما اقتضى أن يكون في جزائهم من سعة الجنة ونعومة الحرير ما يقابل ذلك الحبس والخشونة وجمع لهم بين النضرة والسرور وهذا جمال ظواهرهم وهذا حال بواطنهم كما جملوا في الدنيا ظواهرهم بشرائع الإسلام وبواطنهم بحقائق الإيمان.
قال في اعلام الموقعين:قال تعالى عن أصحاب موسى : (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) فأخبر تعالى انه جعلهم أئمة يأتم بهم من بعدهم لصبرهم ويقينهم إذ بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين فإن الداعي إلى الله تعالى لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه وبصيرته به وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة وكف النفس عما يوهن عزمه ويضعف إرادته فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره تعالى.
قال في زاد المعاد : الصبر نصف الإيمان فإنه ماهية مركبة من صبر وشكر كما قال بعض السلف الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر قال تعالى : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } [ إبراهيم 5 ] والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
قال ابن القيم رحمه الله :ولولا الظلم والإساءة والعدوان لم تحصل عبودية الصبر والمغفرة وكظم الغيظ…. ولولا خلق الشياطين والهوى والنفس الأمارة لما حصلت عبودية الصبر ومجاهدة النفس والشيطان ومخالفتهما وترك ما يهواه العبد ويحبه لله فإن لهذه العبودية شأنا ليس لغيرها .
عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبس… فإن ابنك المحمود بعد ابنك الصبر
ما عوض الصبر امرؤ إلا رأى… ما فاته دون الذي قد عوضا
إذا لم يكن بد من الصبر فاصطبر … على الحق ذاك الصبر تحمد عقباه
36- باب ما جاء في الرياء
قال في تيسير العزيز الحميد: لما كان خلوص العمل من الشرك والرياء شرطا في قبوله لمنافاة الشرك والرياء للتوحيد نبه المصنف على ذلك تحقيقا للتوحيد. والرياء مصدر راءى يرائي مراءاة ورياء وهو أن يري الناس أنه يعمل عملا على صفة وهو يضمر في قلبه صفة أخرى فلا اعتداد ولا ثواب إلا بما خلصت فيه النية لله تعالى ذكره القاضي أبو بكر بمعناه وقال الحافظ هو مشتق من الرؤية والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمد صاحبها انتهى والفرق بينه وبين السمعة أن الرياء هو العمل لرؤية الناس والسمعة العمل لأجل سماعهم فالرياء يتعلق بحاسة البصر والسمعة بحاسة السمع ويدخل فيه أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس .
قال ابن القيم في الجواب الكافي: الرِّيَاءُ كُلُّهُ شِرْكٌ ، قَالَ تَعَالَى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).أَيْ : كَمَا أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ لَهُ وَحْدَهُ ، فَكَمَا تَفَرَّدَ بِالْإِلَهِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعُبُودِيَّةِ ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْخَالِي مِنَ الرِّيَاءِ الْمُقَيَّدُ بِالسُّنَّةِ .وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – : اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا ، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا .وَهَذَا الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ يُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَلِ ، وَقَدْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَمَلُ وَاجِبًا ، فَإِنَّهُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْهُ ، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ عِبَادَةً خَالِصَةً ، قَالَ تَعَالَى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [ الْبَيِّنَةِ : 5 ] .فَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ ، بَلِ الَّذِي أَتَى بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ ، فَلَا يَصِحُّ وَلَا يُقْبَلُمِنْهُ ، وَيَقُولُ اللَّهُ : ” أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ بِهِ ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ ” .
قال في جامع العلوم والحكم (ملخصا):
واعلم أنَّ العمل لغيرِ الله أقسامٌ : فتارةً يكونُ رياءً محضاً ، بحيثُ لا يُرادُ به سوى مراآت المخلوقين لغرضٍ دُنيويٍّ ، كحالِ المنافِقين …. وتارةً يكونُ العملُ للهِ ، ويُشارِكُه الرِّياءُ ، فإنْ شارَكَهُ مِنْ أصله ، فالنُّصوص الصَّحيحة تدلُّ على بُطلانِهِ وحبوطه أيضاً .وفي ” صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم قال : (( يقولُ الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشُّركاءِ عن الشِّرك ، مَنْ عَمِل عملاً أشركَ فيه معي غيري ، تركته وشريكَه )) … فإنْ خالطَ نيَّةَ الجهادِ مثلاً نيّة غير الرِّياءِ ، مثلُ أخذِ أجرة للخِدمَةِ ، أو أخذ شيءٍ مِنَ الغنيمةِ ، أو التِّجارة ، نقصَ بذلك أجرُ جهادهم ، ولم يَبطُل بالكُلِّيَّة ، وفي صحيح مسلم عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : (( إنَّ الغُزَاةَ إذا غَنِموا غنيمةً ، تعجَّلوا ثُلُثي أجرِهِم ، فإنْ لم يغنَمُوا شيئاً ، تمَّ لهُم أجرُهم )) …. وأمَّا إنْ كان أصلُ العمل للهِ ، ثم طرأت عليه نيَّةُ الرِّياءِ ، فإنْ كان خاطراً ودفَعهُ ، فلا يضرُّه بغيرِ خلافٍ ، وإن استرسلَ معه ، فهل يُحبَطُ عملُه أم لا يضرُّه ذلك ويجازى على أصل نيَّته ؟ في ذلك اختلافٌ بين العُلماءِ…وذكر ابنُ جريرٍ أنَّ هذا الاختلافَ إنَّما هو في عملٍ يرتَبطُ آخرُه بأوَّلِه ، كالصَّلاةِ والصِّيام والحجِّ ، فأمَّا ما لا ارتباطَ فيه كالقراءة والذِّكر وإنفاقِ المالِ ونشرِ العلم، فإنَّه ينقطعُ بنيَّةِ الرِّياءِ الطَّارئة عليه، ويحتاجُ إلى تجديدِ نيةٍ …. فأمَّا إذا عَمِلَ العملَ لله خالصاً ، ثم ألقى الله لهُ الثَّناء الحسنَ في قُلوبِ المؤمنين بذلك ، ففرح بفضل الله ورحمته ، واستبشرَ بذلك ، لم يضرَّه ذلك….وبالجملةِ ، فما أحسن قولَ سهلِ بن عبد الله التُّستري : ليس على النَّفس شيءٌ أشقُّ مِنَ الإخلاصِ ؛ لأنَّه ليس لها فيه نصيبٌ.أ.هـ
الرياء لا يكون إلا في الأعمال الصالحة (العبادات) ولا يتصور الرياء بعد العمل إلا أن يكون فيه عدوان; كالمن والأذى بالصدقة، فإن هذا العدوان يكون إثمه مقابلا لأجر الصدقة فيبطلها .
وليس من الرياء مدح الناس وثناؤهم على الشخص دون قصد منه . وليس من الرياء أن يفرح بعلم الناس بعبادته; لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة.وليس من الرياء أن يعمل عملاً ليس من عادته ولكن ليقتدى به.ولو لم يتعود على العمل الصالح كقيام الليل وحضر مع من يقوم الليل فقام فليس رياء لأنه ما أراد مدحهم، ولكنه نشط لما جالسهم. ولو تحدث عن عمله لينشط غيره فليس من الرياء مع وجوب مراعاة القلب.وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بفعل الطاعة، بل ذلك دليل على الإيمان,وفي الحديث: من سرته حسناته وساءته سيئاته; فذلك المؤمن.
من العلاج للرياء: العلم بعظمة الله وعظيم جزاءه وعقابه والحرص على كثرة ذكر الله وأن يكون العمل في السر خيرا من العمل في العلانية.
قال المصنف رحمه الله: الثانية: الأمر العظيم في رد العمل الصالح إذا دخله شيء لغير الله.
الثالثة: ذكر السبب الموجب لذلك وهو كمال الغنى.
الرابعة: أن من الأسباب أنه تعالى خير الشركاء.
الخامسة: خوف النبي صلي الله عليه وسلم على أصحابه من الرياء.
السادسة: أنه فسر ذلك بأن يصلي المرء لله، لكن يزينها لما يرى من نظر رجل إليه
إذا كان النبي عليه السلام يخاف الرياء على أصحابه; فالخوف على من بعدهم من باب أولى.
العمل الصالح الذي ينفع صاحبه مشتمل على أمرين: أن يكون خالصاً لله عز وجل وأن يكون موافقاً للشريعة ليس ببدعة.
قال في عدة الصابرين : قطع العلائق والأسباب التى تدعوه إلى موافقة الهوى وليس المراد أن لا يكون له هوى بل المراد أن يصرف هواه إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد الرب تعالى فإن ذلك يدفع عنه شر استعماله في معاصيه فإن كل شيء من الانسان يستعمله لله فإن الله يقيه شر استعماله لنفسه وللشيطان وما لا يستعمله لله استعمله لنفسه وهواه ولا بد فالعلم ان لم يكن لله كان للنفس والهوى والعمل ان لم يكن لله كان للرياء والنفاق والمال ان لم ينفق في طاعة الله أنفق في طاعة الشيطان والهوى والجاه ان لم يستعمله لله استعمله صاحبه في هواه وحظوظه والقوة ان لم يستعملها في أمر الله استعملته في معصيته فمن عود نفسه العمل لله لم يكن عليه أشق من العمل لغيره ومن عود نفسه العمل لهواه وحظه لم يكن عليه أشق من الاخلاص والعمل لله وهذا في جميع أبواب الأعمال فليس شيء أشق على المنفق لله من الإنفاق لغيره وكذا بالعكس.
37- باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا
قال في فتح المجيد: أراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة وما بعدها أن العمل لأجل الدنيا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب ويحبط الأعمال وهو أعظم من الرياء لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك على كثير من عمله وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل ولا يسترسل معه والمؤمن يكون حذرا من هذا وهذا.
قال السعدي: وأما العمل لأجل الدنيا وتحصيل أغراضها :
فإن كانت إرادة العبد كلها لهذا القصد ، ولم يكن له إرادة لوجه الله والدار الآخرة ، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب .وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن ، فان المؤمن ولو كان ضعيف الإيمان ، لا بد أن يريد الله والدار الآخرة .
وأما من عمل العمل لوجه الله ولأجل الدنيا ، والقصدان متساويان أو متقاربان فهذا وإن كان مؤمنا فإنه ناقص الإيمان والتوحيد والإخلاص ، وعمله ناقص لفقده كمال الإخلاص .
وأما من عمل لله وحده وأخلص في عمله إخلاصا تاما ولكنه يأخذ على عمله جعلا ومعلوما يستعين به على العمل والدين ، كالجعالات التي تجعل على أعمال الخبر ، وكالمجاهد الذي يترتب على جهاده غنيمة أو رزق ، وكالأوقاف التي تجعل على المساجد والمدارس والوظائف الدينية لمن يقوم بها ، فهذا لا يضر أخذه في إيمان العبد وتوحيده لكونه لم يرد بعمله الدنيا ، وإنما أراد الدين وقصد أن يكون ما حصل له معينا له على قيام الدين .
ولهذا جعل الله في الأموال الشرعية كالزكوات وأموال الفيء وغيرها جزءا كبيرا لمن يقوم بالوظائف الدينية والدنيوية النافعة ، كما قد عرف تفاصيل ذلك .
قال النووي رحمه الله: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ غَازِيَة تَغْزُو فِي سَبِيل اللَّه فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَة إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ مِنْ الْآخِرَة ، وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُث ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَة تَمَّ لَهُمْ أَجْرهمْ ) وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة : ( مَا مِنْ غَازِيَة أَوْ سَرِيَّة تَغْزُو فَتَغْنَم وَتَسْلَم إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورهمْ وَمَا مِنْ غَازِيَة أَوْ سَرِيَّة تُخْفِق وَتُصَاب إِلَّا تَمَّ أُجُورهمْ ) قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْإِخْفَاق : أَنْ يَغْزُوَا فَلَا يَغْنَمُوا شَيْئًا ، وَكَذَلِكَ كُلّ طَالِب حَاجَة إِذَا لَمْ تَحْصُل فَقَدْ أَخْفَقَ ، وَمِنْهُ : أَخْفَقَ الصَّائِد ، إِذَا لَمْ يَقَع لَهُ صَيْد . وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث : فَالصَّوَاب الَّذِي لَا يَجُوز غَيْره ، أَنَّ الْغُزَاة إِذَا سَلِمُوا أَوْ غَنِمُوا يَكُون أَجْرهمْ أَقَلّ مِنْ أَجْر مَنْ لَمْ يَسْلَم ، أَوْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَم ، وَأَنَّ الْغَنِيمَة هِيَ فِي مُقَابَلَة جُزْء مِنْ أَجْر غَزْوهمْ ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ الْمُتَرَتَّب عَلَى الْغَزْو ، وَتَكُون هَذِهِ الْغَنِيمَة مِنْ جُمْلَة الْأَجْر ، وَهَذَا مُوَافِق لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة عَنْ الصَّحَابَة كَقَوْلِهِ : ( مِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُل مِنْ أَجْره شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ يَهْدُبُهَا ) أَيْ : يَجْتَنِيهَا.
قال شيخنا ابن عثيمين:إذا أراد الإنسان بعمله حسنة الدنيا، وحسنة الآخرة فلا شيء عليه لأن الله يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) فرغبه في التقوى بذكر المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسبفإن قيل : من أراد بعمله الدنيا كيف يقال إنه مخلص مع أنه أراد المال مثلا ؟
أجيب : إنه أخلص العبادة ، ولم يرد بها الخلق إطلاقا ، فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم ، بل قصد أمرا ماديا ، فإخلاصه ليس كامل ؛ لأن فيه شركا ، ولكن ليس كشرك الرياء يريد أن يمدح بالتقرب إلى الله ، وهذا لم يرد مدح الناس بذلك ، بل أراد شيئا دنيئا غيره .
38- باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله
قال ابن باز رحمه الله: راد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة تحقيق التوحيد واتباع الشريعة وتحريم التقليد الأعمى للأشياخ والعلماء والمعظمين ، فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يعظموا أمر الله ونهيه ولا يطيعوا أحد في معصية الله تعالى فالعلماء والأمراء طاعتهم في طاعة الله جل وعلا ( إنما الطاعة في المعروف )
قال السعدي: ووجه ما ذكره المصنف ظاهر ، فإن الرب والإله هو الذي له الحكم القدري ، والحكم الشرعي ، والحكم الجزائي ، وهو الذي يؤله ويعبد وحده لا شريك له ، ويطاع طاعة مطلقة فلا يعصى ، بحيث تكون الطاعات كلها تبعا لطاعته ، فإذا اتخذ العبد العلماء والأمراء على هذا الوجه ، وجعل طاعتهم هي الأصل ، وطاعة الله ورسوله تبعا لها فقد اتخذهم أربابا من دون الله يتألههم ويتحاكم إليهم ، ويقدم حكمهم على حكم الله ورسوله ، فهذا هو الكفر بعينه ، فإن الحكم كله لله ، كما أن العبادة كلها لله .
قال ابن تيمية في الفتاوى: قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } . فَلَمْ يَقُلْ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ; بَلْ جَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ ; وَطَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةً لِلَّهِ , وَأَعَادَ الْفِعْلَ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ دُونَ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ ; فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ; فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إذَا أَمَرَهُ الرَّسُولُ بِأَمْرٍ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا , بِخِلَافِ أُولِي الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ , فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَطَاعَهُمْ مُطِيعًا لِلَّهِ , بَلْ لَا بُدَّ فِيمَا يَأْمُرُونَ بِهِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ , وَيَنْظُرُ هَلْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْ لَا , سَوَاءٌ كَانَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْأُمَرَاءِ , وَيَدْخُلُ فِي هَذَا تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ وَطَاعَةُ أُمَرَاءِ السَّرَايَا وَغَيْرُ ذَلِكَ , وَبِهَذَا يَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.
وقال في الفتاوى: وَلَكِنْ مَنْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَى خَطَئِهِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ فَهَذَا لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ لَا سِيَّمَا إنْ اتَّبَعَ فِي ذَلِكَ هَوَاهُ وَنَصَرَهُ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلرَّسُولِ ؛ فَهَذَا شِرْكٌ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ . وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَرَفَ الْحَقَّ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ أَحَدٍ فِي خِلَافِهِ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِلْقَادِرِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إظْهَارِ الْحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُهُ ؛ فَهَذَا يَكُونُ كَمَنْ عَرَفَ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ حَقٌّ وَهُوَ بَيْنَ النَّصَارَى فَإِذَا فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ ؛ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ وَهَؤُلَاءِ كَالنَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ . وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَؤُلَاءِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ } . وَقَوْلِهِ : { وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } . وَقَوْلِهِ : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ } . وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُتَّبِعُ لِلْمُجْتَهِدِ عَاجِزًا عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ عَلَى التَّفْصِيلِ وَقَدْ فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي التَّقْلِيدِ ؛ فَهَذَا لَا يُؤَاخَذُ إنْ أَخْطَأَ كَمَا فِي الْقِبْلَةِ . وَأَمَّا إنْ قَلَّدَ شَخْصًا دُونَ نَظِيرِهِ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ وَنَصَرَهُ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَنَّ مَعَهُ الْحَقَّ ؛ فَهَذَا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَإِنْ كَانَ مَتْبُوعُهُ مُصِيبًا ؛ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ صَالِحًا . وَإِنْ كَانَ مَتْبُوعُهُ مُخْطِئًا ؛ كَانَ آثِمًا . كَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ ؛ فَإِنْ أَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ .
قال في اعلام الموقعين: ثم خلف من بعدهم خلوف فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا وكل إلى ربهم راجعون جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون ورءوس أموالهم التي بها يتجرون وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد وقالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون والفريقان بمعزل عما ينبغي اتباعه من الصواب ولسان الحق يتلوا عليهم (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) قال الشافعي قدس الله تعالى روحه: أجمع المسلمون على أن من استبابت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعه لقول أحد من الناس.
قال في مدارج السالكين: وأما القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرمات تحريما وأعظمها إثما ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان ولا تباح بحال بل لا تكون إلا محرمة وليست كالميتة والدم ولحم الخنزير الذي يباح في حال دون حال فإن المحرمات نوعان محرم لذاته لا يباح بحال ومحرم تحريما عارضا في وقت دون وقت قال الله تعالى في المحرم لذاته قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال والإثم والبغي بغير الحق ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثما فإنه يتضمن الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به وتغيير دينه وتبديله ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه وعداوة من والاه وموالاة من عاداه وحب ما أبغضه وبغض ما أحبه ووصفه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله
فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد إثما وهو أصل الشرك والكفر ووعليه أسست البدع والضلالات فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم . ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض وحذروا فتنتهم أشد التحذير وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد وقد أنكر تعالى على من نسب إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عنده بلا برهان من الله فقال ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب الآية.
وقول أعلام الهدى لا تعملوا بقولنا في خلف نص يقبل
فيه دليل الأخذ بالحديث وذاك في القديم والحديث
قال أبو حنيفة الإمام لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالي حتى تعرضا على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال إن رأيتم قولي مخالفاً لم رويتم
من الحديث فاضربوا الجدار بقولي المخالف الأخبارا
وأحمدٌ قال لهم لا تكتبوا ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا
دينك لا تقلد الرجالا حتى ترى أولاهما مقالا
فاسمع مقالات الهداة الأربعة واعمل بها فإن فيها منفعة
لقمعها لكل ذي تعصب والمنصفون يكتفون بالنبي
يجب الحذر من مخالف الشرع لهوى أو مداهنة أو تقريب أو سياسة (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) قال ابن عباس:يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر)
39 – باب قول الله(الم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت)
قال ابن قاسم : حيث كان التوحيد هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله مشتملا على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم مستلزما له، نبه المصنف على ما تضمنه التوحيد واستلزمه، من تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع؛ إذ هذا هو مقتضى الشهادة ولازمها، فمن عرفها لا بد له من الانقياد لحكم الله، والتسليم لأمره الذي جاء على يد رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن شهد أن لا إله إلا الله، ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، فقد كذب في شهادته.
قال شيخنا ابن عثيمين: أن الحكم لله وحده; لقوله صلى الله عليه وسلم “وإليه الحكم”.
أما الكوني فلا نزاع فيه؛ إذ لا يعارض الله أحد في أحكامه الكونية. وأما الشرعي; فهو محك الفتنة والامتحان والاختبار، فمن شرّع للناس شرعا سوى شرع الله، ورأى أنه أحسن من شرع الله وأنفع للعباد، أو أنه مساو لشرع الله، أو أنه يجوز ترك شرع الله إليه; فإنه كافر لأنه جعل نفسه ندا لله عز وجل، سواء في العبادات، أو المعاملات، والدليل على ذلك قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]; فدلت الآية على أنه لا أحد أحسن من حكم الله، ولا مساو لحكم الله; لأن أحسن اسم تفضيل: معناه لا يوجد شيء في درجته، ومن زعم ذلك; فقد كذّب الله عز وجل. وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: من الآية44]، وهذا دليل على أنه لا يجوز العدول عن شرع الله إلى غيره، وأنه كفر….. فائدة:يجب على طالب العلم أن يعرف الفرق بين التشريع الذي يجعل نظاما يمشي عليه، ويستبدل به القرآن، وبين أن يحكم في قضية معينة بغيرما أنزل الله; فهذا قد يكون كفرا أو فسقا أو ظلما.فيكون كفرا إذا اعتقد أنه أحسن من حكم الشرع أو مماثل له. ويكون فسقا إذا كان لهوى في نفس الحاكم.ويكون ظلما إذا أراد مضرة المحكوم عليه.
قال الشيخ ابن ابراهيم رحمه الله: وإن من اقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية ، والنظم البشرية ، وعادات إلاسلاف وإلاجداد التي قد وقع فيها كثير من الناس إلىوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمداً – صلى الله عليه وسلم -، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق ، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر عنها الرسول- صلى الله عليه وسلم….إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم يكون من المنذرين بلسان عربي مبين لقول الله عز وجل : (فإن تنازعتم في شيءء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله وإلىوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً” ).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا علم أن التحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدا عبده ورسوله, فإن التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم ينافي الإيمان بالله عز وجل, وهو كفر وظلم وفسق, يقول الله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ويقول: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ويقول: { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وبين تعالى أن الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلين, وأن الإعراض عن حكم الله تعالى سبب لحلول عقابه, وبأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين, يقول سبحانه: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } وإن القارئ لهذه الآية والمتدبر لها يتبين له أن الأمر بالتحاكم إلى ما أنزل الله, أكد بمؤكدات ثمانية: الأول: الأمر به في قوله تعالى: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }
الثاني: أن لا تكون أهواء الناس ورغباتهم مانعة من الحكم به بأي حال من الأحوال وذلك في قوله: { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ }
الثالث: التحذير من عدم تحكيم شرع الله في القليل والكثير, والصغير والكبير, بقوله سبحانه: { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ }
الرابع: أن التولي عن حكم الله وعدم قبول شيء منه ذنب عظيم موجب للعقاب الأليم, قال تعالى: { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ }
الخامس: التحذير من الاغترار بكثرة المعرضين عن حكم الله, فإن الشكور من عباد الله قليل, يقول تعالى: { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } السادس: وصف الحكم بغير ما أنزل الله بأنه حكم الجاهلية, يقول سبحانه: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ }
السابع: تقرير المعنى العظيم بأن حكم الله أحسن الأحكام وأعدلها, يقول عز وجل: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا }
الثامن: أن مقتضى اليقين هو العلم بأن حكم الله هو خير الأحكام وأكملها, وأتمها وأعدلها, وأن الواجب الانقياد له, مع الرضا والتسليم, يقول سبحانه: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } وهذه المعاني موجودة في آيات كثيرة في القرآن, وتدل عليها أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله.أ.هـ
من الفتن العظيمة ما بليت به أمة الإسلام من الانسلاخ عن تحكيم الشريعة واستبدالها بقوانين وضعية غربية فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد نفى الله الإيمان عمن تحاكم إلى غير شرعه:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فشريعة النبي عليه الصلاة والسلام أكمل شريعة وهي واجبة الإتباع.قال تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) وقد جاءت الشريعة الإسلامية الغراء محققة لمصالح الناس، متمشية مع تطور الزمن، صالحة لكل زمان ومكان. ومهما اختلفت الطبائع والحضارات فالشريعة صالحة لتنظيم معاملات العباد وتبادل المنافع بينهم والفصل في خصوماتهم وحل مشاكلهم وصلاح جميع شؤونهم . ولاغرو أن تدخل توجيهات الإسلام في تنظيم المجتمع، فلا تزال كتب أهل الإسلام في الفقه والأخلاق مشحونة بالحكم والأحكام في فكر أصيل، ونظرٍ عميق ومن زعم أن الشريعة غير صالحة لهذا الزمان فقد أضاع نصيبه من الدين وخسر خسرانا مبينا.فإن خير الهدى هدى محمد بن عبد الله عليه السلام.
قال في النونية:
والله ما خوفي الذنوب فإنها..لعلى طريق العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب عن.. تحكيم هذا الوحي والقرآن
فبأي وجه ألتقي ربي إذا..أعرضت عن ذا الوحي طول زمان
وعزلته عما أريد لأجله .. عزلا حقيقيا بلا كتمان
صرّحت أن يقيننا لا يستفاد … به وليس لديه من إتقان
أوليته هجرا وتأويلا وتحـ … ـريفا وتفويضا بلا برهان
وسعيت جهدي في عقوبة ممسك … بعراه لا تقليد رأي فلان
40 – باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات
قال ابن سعدي: أصل الإيمان وقاعدته التي ينبني عليها هو الإيمان بالله ، وبأسمائه ، وصفاته . وكلما قوي علم العبد بذلك وإيمانه به ، وتعبد لله بذلك قوي توحيده ، فإذا علم أن الله متوحد بصفات الكمال متفرد بالعظمة والجلال والجمال ليس له في كماله مثيل ، أوجب له ذلك أن يعرف ويتحقق أنه هو الإله الحق ، وأن إلهية ما سواه باطلة ، فمن جحد شيئا من أسماء الله وصفاته فقد أتى بما يناقض التوحيد وينافيه ، وذلك من شعب الكفر .
قال في الواسطية:ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه و سلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفو له ولا ند له ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى فإنه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه . ثم رسله صادقون مصدوقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون ولهذا قال ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ) فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب . وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون . فإنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
قال ابن تيمية:من العلم مالا يحمله عقل الانسان فيضره كما قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون اتحبون ان يكذب الله ورسوله وقال عبد الله بن مسعود ما من رجل يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم الا كان فتنة لبعضهم
ومن الكلام ما يسمى علما وهو جهل مثل كثير من علوم الفلاسفة واهل الكلام والاحاديث الموضوعة والتقليد الفاسد واحكام النجوم ولهذا روى ان من العلم جهلا ومن القول عيا ومن البيان سحرا.أ.هـ
قال في فتح المجيد:وقد كان أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ينهى القصاص عن القصص لما في قصصهم من الغرائب والتساهل في النقل وغير ذلك ويقول : لا يقص إلا أمير أو مأمور وكل هذا محافظة على لزوم الثبات على الصراط المستقيم علما وعملا ونية وقصدا وترك كل ما كان وسيلة إلى الخروج عنه من البدع ووسائلها.
وما زال العلماء قديما وحديثا يقرؤون آيات الصفات وأحاديثها بحضرة عوام المؤمنين وخواصهم بل من لم يؤمن بذلك فليس من المؤمنين .ولما رأى ابن عباس رجلا انتفض لما سمع حديثا عن النبي في الصفات استنكارا لذلك فقال ما فرق هؤلاء يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن ، أنكروا ذلك ، فأنزل الله فيهم : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ } .
هذه بعض القواعد التي قعدها العلماء في الأسماء والصفات ملخصة من القواعد المثلى لشيخنا ابن عثيمين:
.أسماء الله تعالى كلها حسنى بالغة في الحسن غايته قال تعالى(ولله الأسماء الحسنى)وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه
.أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف أعلام باعتبار دلالتها على الذات وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني ، وهى بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله عز وجل، وبالاعتبار الثاني متباينة، لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص.
. أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعدٍّ تضمنت ثلاثة أمور :
أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها.
وإن دلت على وصف غير متعدٍّ تضمنت أمرين:
أحدهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.
.دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة، وبالتضمن، وبالالتزام.
.أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص
. أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين.
. صفات الله تعالى كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة والسمع، والبصر والرحمة، والعزة والحكمة، والعلو والعظمة
. باب الصفات أوسع من باب الأسماء وذلك: لأن كل اسم متضمن لصفة
. صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية. وسلبية.فالثبوتية: ما أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى لله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه
والصفات السلبية: ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه.
.لم يصح في تعيين أسماء الله حديث ولذا اختلف السلف في تعيينها. قال ابن تيمية:تعيينها ليس من كلام النبي عليه السلام باتفاق أهل المعرفة بحديثة
.الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها وهو أنواع: أن ينكر شيئا منها أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام
.من الإلحاد في الأسماء جعلها دالة على صفات تشبه صفات المخلوقين كفعل المشبهة أو يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه كتسمية النصارى له:الأب
.من الإلحاد في الأسماء أن يشتق منها أسماء للأصنام، كفعل المشركين في اشتقاق العزى من العزيز، واشتقاق اللات من الإله، فسموا بها أصنامهم
.ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة. وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة
قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري:(من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها.
وَلَمَّا سُئِلَ ” الامام مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ” – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } كَيْفَ اسْتَوَى ؟ فَأَطْرَقَ مَالِكٌ وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ – يَعْنِي الْعَرَقَ – وَانْتَظَرَ الْقَوْمُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ فِيهِ . فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّائِلِ وَقَالَ : ” الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَأَحْسَبُك رَجُلُ سَوْءٍ ” . وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ .
41- باب قول الله تعالى (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها )
قال في تيسير العزيز الحميد: المراد بهذه الترجمة التأدب مع جناب الربوبية عن الألفاظ الشركية الخفية كنسبة النعم الى غير الله فإن ذلك باب من أبواب الشرك الخفي وضده باب من أبواب الشكر
قال السعدي: الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولا واعترافا كما تقدم ، وبذلك يتم التوحيد ، فمن أنكر نعم الله بقلبه ولسانه فذلك كافر ليس معه من الدين شيء . ومن أقر بقلبه أن النعم كلها من الله وحده ، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله ، وتارة يضيفها إلى نفسه وعمله وإلى سعي غيره كما هو جار على ألسنة كثير من الناس ، فهذا يجب على العبد أن يتوب منه ، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها ، وأن يجاهد نفسه على ذلك ولا يتحقق الإيمان إلا بإضافة النعم إلى الله قولا واعترافا .
فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان :
اعتراف القلب بنعم الله كلها عليه وعلى غيره .
والتحدث بها والثناء على الله بها .
والاستعانة بها على طاعة المنعم وعبادته ، والله أعلم .
قال ابن القيم: فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به والخذلان في مواضعه اللائقة به هو العليم الحكيم وما أتي من أتي الا من قبل أضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه الا بقيامة بالشكر وصدق الافتقار والدعاء.
وقال في الفوائد: وإنما كان الصبر والشكر سببا لانتفاع صاحبهما بالآيات ينبني على الصبر والشكر فنصفه صبر ونصفه شكر فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة إيمانه وآيات الله إنما ينتفع بها من آمن بالله ولا يتم له الإيمان إلا بالصبر والشكر فإن رأس الشكر التوحيد ورأس الصبر ترك إجابة داعي الهوى فإذا كان مشركا متبعا هواه لم يكن صابرا ولا شكورا فلا تكون الآيات نافعة له ولا مؤثرة فيه إيمانا.
42- باب: قول الله تعالى(فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون)
قال في الحاشية: ترجم المصنف – رحمه الله – بهذه الآية الكريمة، التي ابتدأها الله عز وجل بأعلى المقامات التي أجلها عبادة الله وحده، وامتن عليهم بإيجادهم، وما أوجده لأجلهم، فلا يجعلوا له أندادا، أي شركاء ونظراء، يصرفون لهم شيئا مما يستحقه سبحانه وتعالى، فيقعوا في الشرك الأصغر أو الأكبر، وساق في الباب ما ألحق بالأصغر، فإن من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ، وإن لم يقصد المتكلم بها معنى لا يجوز، بل ربما تجري على لسانه من غير قصد، وإن كانت الآية نزلت في الأكبر، فالسلف يحتجون بما نزل في الأكبر على الأصغر.
قال المؤلف رحمه الله: قال ابن عباس في الآية: الأنداد: هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل؛ وهو أن تقول: والله، وحياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلاناً هذا كله به شرك) رواه ابن أبي حاتم. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم.
وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً. وعن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان) رواه أبو داود بسند صحيح.وجاء عن إبراهيم النخعي، أنه يكره أن يقول: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك. قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله وفلان.
اتخاذ الند قسمان:أن يجعله شريكا في العبادة وهو شرك أكبر والثاني :ما كان من نوع الشرك الأصغر كقول الرجل :ما شاء الله وشئت ونحوها
43- باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
قال السعدي رحمه الله: ويراد بهذا إذا توجهت اليمين على خصمك وهو معروف بالصدق أو ظاهره الخير والعدالة ، فإنه يتعين عليك الرضا والقناعة بيمينه ؛ لأنه ليس عندك يقين يعارض صدقه .وما كان عليه المسلمون من تعظيم ربهم وإجلالهم يوجب عليك أن ترضى بالحلف بالله .وكذلك لو بذلت له اليمين بالله فلم يرض إلا بالحلف بالطلاق ، أو دعاء الخصم على نفسه بالعقوبات ، فهو داخل في الوعيد ؛ لأن ذلك سوء أدب وترك لتعظيم الله ، واستدراك على حكم الله ورسوله .وأما من عرف منه الفجور والكذب ، وحلف على ما تيقن كذبه فيه ، فإنه لا يدخل تكذيبه في الوعيد للعلم بكذبه ، وأنه ليس في قلبه من تعظيم الله ما يطمئن الناس إلى يمينه ، فتعين إخراج هذا النوع من الوعيد لأن حالته متيقنة والله أعلم .
44- باب: قول ما شاء الله وشئت
قال شيخنا ابن عثيمين: مناسبة الباب لكتاب التوحيد:أن قول: (ما شاء الله وشئت) من الشرك الأكبر، أو الأصغر; لأنه إن اعتقد أن المعطوف مساو لله; فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه دونه لكن أشرك به في اللفظ; فهو أصغر، وقد ذكر بعض أهل العلم: أن من جملة ضوابط الشرك الأصغر؛ أن ما كان وسيلة للأكبر فهو أصغر.
قال في تيسير العزيز الحميد: عند قول اليهودي(إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت) وفي الحديث من الفوائد :معرفة اليهود بالشرك الأصغر وكثير ممن يدعي الاسلام لا يعرف الشرك الاكبر بل يصرف خالص العبادات من الدعاء والذبح والنذر لغير الله ويظن أن ذلك من دين الاسلام فعلمت أن اليهود في ذلك الوقت أحسن حالا ومعرفة منهم .
وفيه فهم الانسان إذا كان له هوى كما نبه عليه المصنف وأن المعرفة بالحق لا تستلزم الإيمان ولا العمل.
وقبول الحق ممن جاء به وإن كان عدوا مخالفا في الدين .
وإن الحلف بغير الله من الشرك.
وأن الشرك الأصغر لا يمرق به الانسان من الاسلام.
قال المؤلف رحمه الله : : قوله صلى الله عليه وسلم : « أجعلتني لله ندا » . فكيف بمن قال : يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك . والبيتين بعده ؟ .
قال في فتح المجيد: وقد عظمت البلوى بهذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله وتركوا ما دل عليه القرآن العظيم من النهي عن هذا الشرك وما يوصل إليه قال الله تعالى :{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } كفرهم الله تعالى بدعوتهم من كانوا يدعونه من دونه في دار الدنيا وقد قال تعالى :{ وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا } وقال تعالى :{ قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } وهؤلاء المشركون عكسوا الأمر فخالفوا ما بلغ به الأمة وأخبر به عن نفسه صلى الله عليه و سلم فعاملوه بما نهاهم عنه من الشرك بالله والتعلق على غير الله حتى قال قائلهم :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به … سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي … فضلا وإلا فقل : يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها … ومن علومك علم اللوح والقلم
فانظر إلى هذا الجهل العظيم حيث اعتقد أنه لا نجاة له إلا بعياذه ولياذه بغير الله وانظر إلى هذا الإطراء العظيم الذي تجاوز الحد في الإطراء الذي نهي عنه صلى الله عليه و سلم بقوله : [ لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ] رواه مالك وغيره وقد قال تعالى :{ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك } فانظر إلى هذه المعارضة العظيمة للكتاب والسنة والمحادة لله ورسوله وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو الذي في نفوس كثير خصوصا ممن يدعون العلم والمعرفة ورأوا قراءة هذه المنظومة ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات فإن لله وإنا إليه راجعون
قال شيخنا ابن عثيمين: وهذا من أعظم الشرك; لأنه جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول، ومقتضاه أن الله جل ذكره ليس له فيهما شيء.وقال: (ومن علومك علم اللوح والقلم”، يعني: وليس ذلك كل علومك، فما بقي لله علم ولا تدبير- والعياذ بالله-.
45 – باب من سب الدهر فقد آذى الله.
قال السعدي: وهذا واقع كثيرا في الجاهلية ، وتبعهم على هذا كثير من الفساق والمجان والحمقى ، إذا جرت تصاريف الدهر على خلاف مرادهم جعلوا يسبون الدهر والوقت ، وربما لعنوه .وهذا ناشئ من ضعف الدين ومن الحمق والجهل العظيم ، فإن الدهر ليس عنده من الأمر شيء ، فإنه مدبر مصرف والتصاريف الواقعة فيه تدبير العزيز الحكيم ، ففي الحقيقة يقع العيب والسب على مدبره .
مفاسد سب الدهر:
أنه سب لمن ليس أهلا للسب
أنه متضمن للشرك فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع
أن السب يقع على الفاعل وهو الله.
والسب نوعان:
من يعتقد أن الدهر فاعل وهم الدهرية
من يعتقد أن المدبر هو الله ويسبون الدهر لما يجري عليهم فيه من المصائب والجميع ممنوع
و الأدلة صريحة في النهي عن سب الدهر مطلقا سواء اعتقد أنه فاعل أو لم يعتقد ذلك كما يقع كثيرا من بعض المسلمين شعرا ونثرا
قال شيخنا ابن عثيمين:الدهر ” ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد، لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن، قال الله تعالى، عن منكري البعث: { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } يريدون مرور الليالي والأيام.
سب الدهر أقسام:
أن يقصد الخبر دون اللوم فهذا جائز
أن يسبه على أنه فاعل فهذا شرك أكبر
أن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده فهذا محرم
46- باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
قال في فتح المجيد:هذه الترجمة إشارة إلى النهى عن التسمى بقاضي القضاة قياسا على ما في حديث الباب لكونه شبهه في المعنى فينهى عنه قوله : في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله ] لأن هذا اللفظ إنما يصدق على الله تعالى فهو ملك الأملاك لا ملك أعظم ولا أكبر منه مالك الملك ذو الجلال والإكرام وكل ملك يؤتيه الله من يشاء من عباده فهو عارية يسرع ردها إلى المعير وهو الله تعالى ينزع الملك من ملكه تارة وينزع الملك منه تارة فيصير لا حقيقة له سوى اسم زال مسماه وأما رب العالمين فملكه دائم كامل لا انتهاء له بيده القسط يخفضه ويرفعه ويحفظ على عباده أعمالهم بعلمه سبحانه وتعالى وما تكتبه الحفظة عليهم فيجازى كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
قال في الحاشية: كحاكم الحكام وسلطان السلاطين، وسيد السادات. أشار المصنف رحمه الله إلى النهي عن ذلك قياسا على ما في حديث الباب؛ لكونه شبهه في المعنى. وهذا كله صيانة وحماية لجناب التوحيد؛ لمنافاة هذه الألفاظ لكماله، فيكون فيه شائبة من الشرك وإن لم يكن أكبر، ولا يخفى ما في إطلاقه على غير الله من الجرأة على الله، وسوء الأدب معه؛ فإن كل لفظ يقتضي التعظيم والكمال، لا يكون إلا لله وحده.
قال في تحفة المودود باحكام المولود:ومن المحرم التسمية بملك الملوك وسلطان السلاطين وشاهنشاه فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي قال إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك وفي رواية أخنى بدل أخنع وفي رواية لمسلم أغيظ رجل عند الله يوم القيامة وأخبثه رجل كان يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله ومعنى أخنع وأخنى أوضع وقال بعض العلماء وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاء وحاكم الحكام فان حاكم الحكام في الحقيقة هو الله وقد كان جماعة من أهل الدين والفضل يتورعون عن إطلاق لفظ قاضي القضاة وحاكم الحكام قياسا على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك وهذا محض القياس وكذلك تحرم التسمية بسيد الناس وسيد الكل كما يحرم سيد ولد آدم فان هذا ليس لأحد إلا لرسول الله وحده فهو سيد ولد آدم فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك.
47 – باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك
قال شيخنا ابن عثيمين:وجوب احترام أسماء الله؛ لأن احترامها احترام لله عز وجل، ومن تعظيم الله عز وجل، فلا يسمى أحد باسم مختص بالله، وأسماء الله تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما لا يصح إلا لله; فهذا لا يسمى به غيره، وإن سمي وجب تغييره; مثل: الله، الرحمن، رب العالمين، وما أشبه ذلك. الثاني: ما يصح أن يسمى به غير الله; مثل: الرحيم، والسميع، والبصير، فإن لوحظت الصفة منع من التسمي به، وإن لم تلاحظ الصفة جاز التسمي به على أنه علم محض.
قال في تحفة المودود باحكام المولود :الفصل الثالث في تغيير الاسم باسم آخر لمصلحة تقتضيه
عن ابن عمر أن النبي غير اسم عاصية وقال أنت جميلة وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن زينب كان اسمها برة فقيل تزكي نفسها فسماها رسول الله زينب وفي سنن أبي داود من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي قال ما اسمك قال حزن قال أنت سهل قال لا السهل يوطأ ويمتهن قال سعيد فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة
وفي الصحيحين أن رسول الله أتي بالمنذر بن أبي أسيد حين ولد فوضعه على فخذه فأقاموه فقال أين الصبي فقال أبو أسيد أقلبناه يا رسول الله قال ما اسمه قال فلان قال ولكن اسمه المنذر وروى أبو داود في سننه عن أسامة بن أخدري أن رجلا كان يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول الله فقال رسول الله ما اسمك قال أصرم قال بل أنت زرعة
قال أبو داود وغير رسول الله اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وشهاب وحباب فسماه هاشما وسمى حربا سلما وسمى المضطجع المنبعث وأرضا يقال لها عفرة خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهدى وبنو الزينة سماهم بني الرشدة وسمي بني مغوية بني رشدة .. فصل وكما أن تغيير الاسم يكون لقبحه وكراهته فقد يكون لمصلحة أخرى مع حسنه كما غير اسم برة بزينب كراهة التزكيه وأن يقال خرج من عند برة أو يقال كنت عند برة فيقول لا كما ذكر في الحديث.
لا يجب تغيير الاسم إلا لمحذور شرعي ولا يلزم عند التغيير إعادة العقيقة كما يظن بعضهم
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :ليس في الأدلة الشرعية ما يقتضي وجوب تغيير من هداه الله إلى الإسلام اسمه إلا أن يكون هناك ما يقتضي ذلك شرعا كتعبيده لغير الله كعبد المسيح ونحو ذلك , أو يكون اسما لا يستحسن التسمي به وغيره أفضل منه كحزن يبدل بسهل , وكذا ما أشبهه من الأسماء التي لا يستحسن التسمي بها .لكن التغيير فيما عبد لغير الله لكون واجبا أما ما سواه فهو من باب الاستحسان والأفضلية .ويدخل في القسم الثاني الأسماء التي اشتهر النصارى بالتسمي بها ويتوهم من سمعها أن صاحبها نصراني . فالتغيير فيها مناسب جدا .
48 – باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول
قال في التمهيد شرح كتاب التوحيد: التوحيد الخالص في القلب ، بل أصل التوحيد لا يجامع الاستهزاء بالله جل وعلا وبرسوله وبالقرآن لأن الاستهزاء معارضة ، والتوحيد موافقة ولهذا قال بعض أهل العلم : الكفار نوعان : معرضون كمن قال الله فيهم : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ } [الأنبياء : 24] ، ومعارضون ، وهم المجادلون ، أو الذين يعارضون بأنواع المعارضات لأجل إطفاء نور الله ، ومن ذلك الاستهزاء ونحوه .
فالتوحيد استسلام وانقياد وقبول وتعظيم ، والهزء والاستهزاء بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول معارضة لأنه مناف للتعظيم ، ولهذا كان كفرا أكبر بالله- جل وعلا- ، إذ لا يصدر الاستهزاء بالله ، أو برسوله صلى الله عليه وسلم ، أو بالقرآن ، من قلب موحد أصلا ، بل لا بد أن يكون إما منافقا ، أو كافرا مشركا .
قال ابن كثير رحمه الله عند قول الله تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) }: قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قُرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } إلى قوله: { مجرمين } وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال في الصارم المسلول: وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ابن أبي ليلى قال: “تداروا في أبي بكر وعمر فقال رجل من عطارد: عمر أفضل من أبي بكر فقال الجارود: بل أبو بكر أفضل منه قال: فبلغ ذلك عمر قال: فجعل يضربه ضربا بالدرة حتى شغر برجله ثم أقبل إلى الجارود فقال: إليك عني ثم قال عمر: “أبو بكر كان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا” ثم قال عمر: “من قال غير هذا أقمنا عليه ما نقيم على المفتري”.
فإذا كان الخليفتان الراشدان عمر وعلي رضي الله عنهما يجلدان حد المفتري من يفضل عليا على أبي بكر وعمر أو من يفضل عمر على أبي بكر مع أن مجرد التفضيل ليس فيه سب ولا عيب علم أن عقوبة السب عندهما فوق هذا بكثير.
فصل.
في تفصيل القول فيهم.
أما من اقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبريل في الرسالة فهذا لاشك في كفره بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره… وأما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق.
جاء في صحصح البخاري ان النبي عليه الصلاة و السلام قال:(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) .و قال عليه السلام:(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) وقال عليه السلام:(إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
يجب الانكار والاحتساب على الملحدين والزنادقة ورفع شأنهم إلى القضاء لإقامة حكم الله فيهم كما فعل عوف بن مالك رضي الله عنه ,ولا يجوز لنا أن نتعاطف مع المتنقصين للدين وأهله بل يجب بغضهم والصدود عنهم تأديبا كما فعل عليه لبصلاة والسلام فلم يلتفت إليهم بل أعطاهم دبره وارتحل ,كمايجب التغليظ في العقوبة على من يشككون الناس في دينهم ومنعهم من من وسائل الاعلام ومن مجالسة الناس حتى لا يبثوا سمومهم كما فعل الفاروق مع صبيغ .
48 – باب قول الله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}
قال المؤلف رحمه الله: قال مجاهد: “هذا بعملي، وأنا محقوق به”.وقال ابن عباس: “يريد من عندي”.وقوله: “إنما أوتيته على علم عندي” قال قتادة: “على علم مني بوجوه المكاسب”.
وقال آخرون: “على علم من الله أني له أهل” وهذا معنى قول مجاهد: “أوتيته على شرف”.
قال السعدي رحمه الله: مقصود هذه الترجمة أن كل من زعم أن ما أوتيه من النعم والرزق فهو بكده وحذقه وفطنته ، أو أنه مستحق لذلك لما يظن له على الله من الحق فإن هذا مناف للتوحيد ؛ لأن المؤمن حقا من يعترف بنعم الله الظاهرة والباطنة ويثني على الله بها ، ويضيفها إلى فضله وإحسانه ، ويستعين بها على طاعته ولا يرى له حقا على الله ، وإنما الحق كله لله ، وأنه عبد محض من جميع الوجوه ، فبهذا يتحقق الإيمان والتوحيد ، ويضده يتحقق كفران النعم والعجب بالنفس والإدلال الذي هو من أعظم العيوب .
في قصة الثلاثة (الأبرص والأقرع والأعمى)
سنة الابتلاء
عظم نعمة الله على عباده
عدم اليأس من رحمة الله
شكر المنعم
الحذر من سخط الله
قدرة الله..
49 – باب قول الله تعالى:(فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون)
قال السعدي: مقصود الترجمة أن من أنعم الله عليهم بالأولاد ، وكمل الله لهم النعمة بهم بأن جعلهم صالحين في أبدانهم ، وتمام ذلك أن يصلحوا في دينهم ، فعليهم أن يشكروا الله على إنعامه وأن لا يعبدوا أولادهم لغير الله ، أو يضيفوا النعم لغير الله، فإن ذلك كفران للنعم مناف للتوحيد .
قال ابن تيمية: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعَبِّدُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ ؛ فَيُسَمُّونَ بَعْضَهُمْ عَبْدَ الْكَعْبَةِ كَمَا كَانَ اسْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ شَمْسٍ كَمَا كَانَ اسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْمُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ اللَّاتِ وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ الْعُزَّى وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ مَنَاةَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُضِيفُونَ فِيهِ التَّعْبِيدَ إلَى غَيْرِ اللَّهِ مِنْ شَمْسٍ أَوْ وَثَنٍ أَوْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُشْرَكُ بِاَللَّهِ…وَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الدِّينُ الْخَالِصُ لِلَّهِ وَحْدَهُ : تَعْبِيدُ الْخَلْقِ لِرَبِّهِمْ كَمَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغَيُّرُ الْأَسْمَاءِ كَعُمَرِ إلَى الْأَسْمَاءِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ الكفرية إلَى الْأَسْمَاءِ الْإِيمَانِيَّةِ وَعَامَّةِ مَا سَمَّى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ .
من الإشراك في نعمة الولد:أن ينسبه لغير الله إيجادًا أو يضيف سلامته إلى الطبيب أو يُقدّم محبته على الله أو يعبّده لغير الله في التسمية ,قال ابن حزم:اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو وعبدالكعبة وما أشبه ذلك حاشا عبدالمطلب,والفرق بين الشرك في الطاعة، والشرك في العبادة:فشرك العبادة حبا وتعظيما خلافا لشرك الطاعة فلا يلزم الحب
قال شيخنا ابن عثيمين: الفرق بين الطاعة وبين العبادة; فالطاعة إذا كانت منسوبة لله; فلا فرق بينها وبين العبادة، فإن عبادة الله طاعته.
وأما الطاعة المنسوبة لغير الله; فإنها غير العبادة، فنحن نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم لكن لا نعبده، والإنسان قد يطيع ملكا من ملوك الدنيا وهو يكرهه. فالشرك بالطاعة: أنني أطعته لا حبا وتعظيما وذلا كما أحب الله وأتذلل له وأعظمه، ولكن طاعته اتباع لأمره فقط، هذا هو الفرق. وبناء على القصة; فإن آدم وحواء أطاعا الشيطان ولم يعبداه عبادة، وهذا مبني على صحة القصة.
(فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما)قيل آدم وحواء ورد هذا:بأنه لم يثبت وأن الأنبياء معصومون من الشرك ولو كان لذكرت توبتهما..
قال ابن القيم: كم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء… فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون فكم من والد حرم والده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء… ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذونا فيه شرعا فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه وفاته ما هو مهيأ له فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيا فهذه من علامات قبوله وتهيئه للعلم لينقشه في لوح قلبه ما دام خاليا فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعدا لها قابلا لها وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه فإن ذلك ميسر على كل أحد لتقوم حجة الله على العبد فإن له على عباده الحجة البالغة كما له عليهم النعمة السابغة والله أعلم.
51- باب قول الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه)
قال في الحاشية: أراد المصنف – رحمه الله – بهذه الترجمة الرد على من يتوسل بذوات الأموات، وأن المشروع التوسل بالأسماء الحسنى والصفات العليا، والأعمال الصالحة.
قال السعدي: أصل التوحيد إثبات ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى ، ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة ، والمعارف الجميلة ، والتعبد لله بها ودعاؤه بها . فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه . فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى ، فمن دعاه لحصول الرزق فليسأله باسمه الرزاق ، ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم العفو الغفور التواب ونحو ذلك .
وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاء العبادة ، وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلها في القلوب حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها ، وتمتلئ بأجل المعارف… فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته ، وتعبده بها لله لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها ، وهي أفضل العطايا من الله لعبده ، وهي روح التوحيد وروحه .ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص ، والإيمان الكامل الذي لا يحصل إلا للكمل من الموحدين .وإثبات الأسماء والصفات هو الأصل لهذا المطلب الأعلى .وأما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينافي هذا المقصد العظيم أعظم منافاة .والإلحاد أنواع :
إما أن ينفي الملحد معانيها كما تفعله الجهمية ومن تبعهم .وإما بتشبيهها بصفات المخلوقين كما يفعله المشبهة من الرافضة وغيرهم . وإما بتسمية المخلوقين بها كما يفعله المشركون حيث سموا اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، فاشتقوا لها من أسماء الله الحسنى ، فشبهوها بالله ثم جعلوا لها من حقوق العبادة ما هو من حقوق الله الخاصة .فحقيقة الإلحاد في أسماء الله هو الميل بها عن مقصودها لفظا أو معنى ، تصريحا أو تأويلا أو تحريفا ، وكل ذلك مناف للتوحيد والإيمان .
قال شيخنا ابن عثيمين:هذا الباب يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات; لأن هذا الكتاب جامع لأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد العبادة، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وتوحيد الأسماء والصفات هو إفراد الله عز وجل بما ثبت له من صفات الكمال على وجه الحقيقة، بلا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل؛ لأنك إذا عطلت لم تثبت، وإن مثلت لم توحد، والتوحيد مركب من إثبات ونفي; أي: إثبات الحكم للموحد ونفيه عما عداه
عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن لله تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة).رواه البخاري.قال في الفتح: قوله: (من أحصاها) أي حفظها كذا في الدعوات وقيل من أحاط بها علما ومعرفة وقيل إيمانا وقيل استخرجها من كتاب الله وقيل أطاق العمل بمقتضاها وقيل أخطرها بباله وقيل من عرف معانيها.
قال ابن الجوزي في غريب الحديث:قوله: (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّة) فيه خَمْسَةُ أقوالٍ :
أحدها من استوفاها حفظاً
والثاني من أطاق العملَ بمقتضاها مثل أن يعلمَ أنه سميعٌ فَيَكفُّ لسانَه عن القبيح وأنه حكيمٌ فيسلمُ لحكمته
والثالث من عَقَل مَعانيها
والرابع من أحصاها عَدَّاً وإِيماناً بها قاله الأزهريُّ
والخامس أن يكونَ المعنى من قرأ القرآنَ حتى يَخْتِمَه لأنَّها فيه
52- باب لا يقال السلام على الله
قال في تيسير العزيز الحميد: لما كان حقيقة لفظ الإسلام السلامة والبراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب فإذا قال المسلم السلام عليكم فهو دعاء للمسلم عليه وطلب له أن يسلم من الشر كله والله هو المطلوب منه لا المطلوب له وهو المدعو لا المدعو له وهو الغني له ما في السموات وما في الأرض استحال ان يسلم عليه سبحانه وتعالى بل هو المسلم على عباده كما قال تعالى قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وقال وسلام على المرسلين وقال تحيتهم يوم يلقونه سلام فهو السلام ومنه السلام لا إله غيره ولا رب سواه
في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلان فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام.
قال السعدي رحمه الله: فهو تعالى السلام السالم من كل عيب ونقص ، وعن مماثلة أحد من خلقه له ، وهو المسلم لعباده من الآفات والبليات ، فالعباد لن يبلغوا ضره فيضروه ، ولن يبلغوا نفعه فينفعوه ، بل هم الفقراء إليه ، المحتاجون إليه في جميع أحوالهم ، وهو الغني الحميد .
53 – باب قول اللهم أغفر لي إن شئت
قال في تيسير العزيز الحميد: لما كان العبد لاغناء له عن رحمة الله ومغفرته طرفة عين بل فقير بالذات إلى الغني بالذات كما قال تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد نهى عن قول ذلك لما فيه من إيهام الاستغناء عن مغفرة الله ورحمته كما سيأتي وذلك مضاد للتوحيد .
جاء في صحيح الامام البخاري عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له.وفي صحيح الامام مسلم قال « إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لى إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شىء أعطاه ».
قال في التمهيد شرح كتاب التوحيد: وقول النبي عليه الصلاة والسلام لمن عاده وقد أصابته الحمى كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما : « طهور إن شاء الله » قال : بل هي حمى تفور . . إلخ كلامه ، هذا ليس فيه دعاء ، وإنما هو من جهة الخبر ، قال : يكون طهورا إن شاء الله ، فهو ليس بدعاء ، وإنما هو خبر ، فافترق عن أصل المسألة .
وقال طائفة من أهل العلم من شراح البخاري : وقد يكون قوله : « طهور إن شاء الله » للبركة ، فيكون ذلك من جهة التبرك ، كقوله- جل وعلا- مخبرا عن قول يوسف : { ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } وهم قد دخلوا مصر ، وكقوله- جل وعلا- : { لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ }[الفتح : 27].
54 – باب لا يقول عبدي وأمتي
قال في فتح المجيد: هذه الألفاظ المنهى عنها وإن كانت تطلق لغة فالنبي صلى الله عليه و سلم نهى عنها تحقيقا للتوحيد وسدا لذرائع الشرك لما فيها من التشريك في اللفظ لأن الله تعالى هو رب العباد جميعهم فإذا أطلق على غيره شاركه في الاسم فينهى عنه لذلك وإن لم يقصد بذلك التشريك في الربوبية التي هي وصف الله تعالى وإنما المعنى أن هذا مالك له فيطلق عليه هذا اللفظ بهذا الإعتبار فالنهي عنه حسما لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق وتحقيقا للتوحيد وبعدا عن الشرك حتى في اللفظ وهذا أحسن مقاصد الشريعة لما فيه من تعظيم الرب تعالى وبعده عن مشابهة المخلوقين فأرشدهم صلى الله عليه و سلم إلى ما يقوم مقام هذه الألفاظ وهو قوله سيدي ومولاي.
قال النووي في شرح مسلم: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي ، كُلّكُمْ عَبِيد اللَّه ، وَكُلّ نِسَائِكُمْ إِمَاء اللَّه ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ : غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي ) وَفِي رِوَايَة : ( وَلَا يَقُلْ الْعَبْد رَبِّي ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ : سَيِّدِي ) وَفِي رِوَايَة : ( وَلَا يَقُلْ الْعَبْد لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ ؛ فَإِنَّ مَوْلَاكُمْ اللَّه ) وَفِي رِوَايَة ( لَا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ اِسْقِ رَبّك ، أَوْ أَطْعِمْ رَبّك وَضِّئْ رَبّك ، وَلَا يَقُلْ أَحَدكُمْ : رَبِّي ، وَلْيَقُلْ : سَيِّدِي وَمَوْلَايَ ، وَلَا يَقُلْ أَحَدكُمْ : عَبْدِي أَمَتِي ، وَلْيَقُلْ : فَتَايَ فَتَاتِي غُلَامِي ) قَالَ الْعُلَمَاء : مَقْصُود الْأَحَادِيث شَيْئَانِ : أَحَدهمَا نَهْي الْمَمْلُوك أَنْ يُقَوَّل لِسَيِّدِهِ : رَبِّي ؛ لِأَنَّ الرُّبُوبِيَّة إِنَّمَا حَقِيقَتهَا لِلَّهِ تَعَالَى ، لِأَنَّ الرَّبّ هُوَ الْمَالِك أَوْ الْقَائِم بِالشَّيْءِ ، وَلَا تُوجَد حَقِيقَة هَذَا إِلَّا فِي اللَّه تَعَالَى ، فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْرَاط السَّاعَة : ” أَنْ تَلِد الْأَمَة رَبَّتهَا أَوْ رَبّهَا ” فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّ الْحَدِيث الثَّانِي لِبَيَانِ الْجَوَاز ، وَأَنَّ النَّهْي فِي الْأَوَّل لِلْأَدَبِ ، وَكَرَاهَة التَّنْزِيه ، لَا التَّحْرِيم . وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ الْإِكْثَار مِنْ اِسْتِعْمَال هَذِهِ اللَّفْظَة ، وَاِتِّخَاذهَا عَادَة شَائِعَة ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إِطْلَاقهَا فِي نَادِر مِنْ الْأَحْوَال . وَاخْتَارَ الْقَاضِي هَذَا الْجَوَاب . وَلَا نَهْي فِي قَوْل الْمَمْلُوك : سَيِّدِي. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” لِيَقُلْ سَيِّدِي ” لِأَنَّ لَفْظَة السَّيِّد غَيْر مُخْتَصَّة بِاَللَّهِ تَعَالَى اِخْتِصَاص الرَّبّ ، وَلَا مُسْتَعْمَلَة فِيهِ كَاسْتِعْمَالِهَا .
55 – باب لا يرد من سأل بالله
قال في فتح المجيد: ظاهر الحديث النهي عن رد السائل إذا سأل بالله لكن هذا العموم يحتاج إلى تفصيل بحسب ما ورد في الكتاب والسنة فيجب إذا سأل السائل ما له فيه حق كبيت المال أن يجاب فيعطى منه على قدر حاجته وما يستحقه وجوبا وكذلك إذا سأل المحتاج من في ماله فضل فيجب أن يعطيه على حسب حاله ومسألته خصوصا إذا سأل من لا فضل عنده فيستحب أن يعطيه على قدر حال المسؤول ما لا يضر به ولا يضر عائلته وإن كان مضطرا وجب أن يعطيه ما يدفع ضرورته
ومقام الإنفاق من أشرف مقامات الدين وتفاوت الناس فيه بحسب ما جبلوا عليه من الكرم وضدهما من البخل والشح.
على المسلم التنزه عن سؤال الناس لأن السؤال مذلة ففي الصحيح عبد الله بن عمر ، رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم.
عن أبى هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر ».
عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به ويستغنى به من الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ».
56 – باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة.
قال شيخنا ابن عثيمين:فيه تعظيم وجه الله عز وجل بحيث لا يسأل به إلا الجنة.
قوله: “لا يسأل بوجه الله إلا الجنة” اختلف في المراد بذلك على قولين:
القول الأول: أن المراد: لا تسألوا أحدا من المخلوقين بوجه الله، فإذا أردت أن تسأل أحدا من المخلوقين; فلا تسأله بوجه الله; لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة، فإذا لا يسألون بوجه الله مطلقا، ويظهر أن المؤلف يرى هذا الرأي في شرح الحديث، ولذلك ذكره بعد: “باب لا يرد من سأل بالله”.
القول الثاني: أنك إذا سألت الله، فإن سألت الجنة وما يستلزم دخولها; فلا حرج أن تسأل بوجه الله، وإن سألت شيئا من أمور الدنيا; فلا تسأله بوجه الله; لأن وجه الله أعظم من أن يسأل به لشيء من أمور الدنيا.
57 – باب ما جاء في اللو
قال في تيسير العزيز الحميد: اعلم أن من كمال التوحيد الاستسلام للقضاء والقدر رضا بالله ربا فإن هذا من جنس المصائب والعبد مأمور عند المصائب بالصبر والارجاع والتوبة وقول لو لا يجدي عليه إلا الحزن والتحسر مع ما يخاف توحيده من نوع المعاندة للقدر الذي لا يكاد يسلم منها من وقع منه هذا الا ما شاء الله فهذا وجه ايراده هذا الباب في التوحيد.
قال ابن تيمية: جَمِيعُ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقٌّ، ” وَلَوْ ” تُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى وَجْهِ الْحُزْنِ عَلَى الْمَاضِي وَالْجَزَعِ مِنْ الْمَقْدُورِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ}. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: {وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ – اللَّوْ – تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ} أَيْ تَفْتَحُ عَلَيْك الْحُزْنَ وَالْجَزَعَ، وَذَلِكَ يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ بَلْ اعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وَمَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاَللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، قَالُوا: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ ” لَوْ ” لِبَيَانِ عِلْمٍ نَافِعٍ، كَقَوْلِهِ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}. وَلِبَيَانِ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَإِرَادَتِهِ، كَقَوْلِهِ: ” لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانٍ لَعَمِلْت مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ” وَنَحْوُهُ جَائِزٌ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَدِدْت لَوْ أَنَّ مُوسَى صَبَرَ لِيَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا} هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَقَوْلِهِ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} فَإِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ أَنْ يَقُصَّ اللَّهُ خَبَرَهُمَا، فَذَكَرَهَا لِبَيَانِ مَحَبَّتِهِ لِلصَّبْرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ، فَعَرَّفَهُ مَا يَكُونُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ جَزَعٌ وَلَا حُزْنٌ وَلَا تَرْكٌ لِمَا يَجِبُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورِ. وَقَوْلِهِ: {وَدِدْت لَوْ أَنَّ مُوسَى صَبَرَ} قَالَ النُّحَاةُ: تَقْدِيرُهُ وَدِدْت أَنَّ مُوسَى صَبَرَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} تَقْدِيرُهُ وَدُّوا أَنْ تُدْهِنَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هِيَ لَوْ شَرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مَعْلُومٌ وَهِيَ مَحَبَّةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَإِرَادَتُهُ، وَمَحَبَّةُ الْخَيْرِ وَإِرَادَتُهُ مَحْمُودٌ، وَالْحُزْنُ وَالْجَزَعُ وَتَرْكُ الصَّبْرِ مَذْمُومٌ، وَاَللَّهُ أَعْلم.
58- باب النهي عن سب الريح
قال السعدي: وهذا نظير ما سبق في سب الدهر ، إلا أن ذلك الباب عام في سب جميع حوادث الدهر ، وهذا خاص بالريح ، ومع تحريمه فإنه حمق وضعف في العقل والرأي ، فإن الريح مصرفة مدبرة بتدبير الله وتسخيره فالساب لها يقع سبه على من صرفها ، ولولا أن المتكلم بسب الريح لا يخطر هذا المعنى في قلبه غالبا لكان الأمر أفظع من ذلك ، ولكن لا يكاد يخطر بقلب مسلم .
سب الريح على قسمين:
1- أن يسبها ويعتقد أنها مخلوقة مأمورة فهذا محرم، وعليه يحمل حديث: (لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به) صححه الترمذي.
2- أن يسبها على أنها فاعلة وهذا شرك في الربوبية، قال تعالى: { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } [فاطر: 3].
59- باب قول الله تعالى يظنون بالله غير الحق..الآية
قال في تيسير العزيز الحميد: أراد المصنف بهذه الترجمة التنبيه على وجوب حسن الظن بالله لأن ذلك من واجبات التوحيد ولذلك ذم الله من أساء الظن به لأن مبني حسن الظن على العلم برحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وعلمه وحسن اختياره وقوة المتوكل عليه فإذا تم العلم بذلك أثمر له حسن الظن بالله وقد ينشأ حسن الظن من مشاهدة بعض هذه الصفات وبالجملة فمن قام بقلبه حقائق معاني أسماء الله وصفاته قام به من حسن الظن ما يناسب كل اسم وصفة لأن كل صفة لها عبودية خاصة وحسن ظن خاص وقد جاء الحديث القدسي قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وانا معه حين يذكرني رواه البخاري ومسلم وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم قبل موته بثلاثة أيام يقول لا يموتن احدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز و جل رواه مسلم وابو داود وفي حديث عند أبي داود وابن حبان حسن الظن من حسن العبادة رواه الترمذي والحاكم ولفظهما حسن الظن بالله من حسن العبادة .
قال السعدي: وذلك أنه لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد جميع ما أخبر الله به من أسمائه وصفاته وكماله وتصديقه بكل ما أخبر به ، وأنه يفعله ، وما وعد به من نصر الدين وإحقاق الحق وإبطال الباطل ، فاعتقاد هذا من الإيمان ، وطمأنينة القلب بذلك من الإيمان .وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية المنافية للتوحيد ؛ لأنها سوء ظن بالله ونفي لكماله ، وتكذيب لخبره وشك في وعده . والله أعلم .
قال المصنف: قال ابن القيم في الآية الأولى فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وفسر أن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته ففسر بانكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله وأن يظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظن المنافقون والمشركون في سورة الفتح وإنما كان هذا ظن السوء لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره وأنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم فقل من يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وهو موجب حكمته وحمده فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا وليتب الى الله تعالى ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر وملامة له يقول إنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقل ومستكثر وفتش نفسك هل أنت سالم …
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة … والافإني لا إخالك ناجيا
قال النووي : قال العلماء معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه
60- باب ما جاء في منكري القدر
قال السعدي: قد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة : أن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان ، وأنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فمن لم يؤمن بهذا فإنه ما آمن بالله حقيقة .
فعلينا أن نؤمن بجميع مراتب القدر : فنؤمن أن الله بكل شيء عليم ، واعده كتب في اللوح المحفوظ جميع ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وأن الأمور كلها بخلقه وقدرته وتدبيره .
ومن تمام الإيمان بالقدر : العلم بأن الله لم يجبر العباد على خلاف ما يريدون بل جعلهم مختارين لطاعاتهم ومعاصيهم .
مراتب القدر: الأول: العلم، أي عليم بكل شيء.
والثاني: الكتابة.كتب ما علم.
والثالث: المشيئة.فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
والرابع: الخلق، فهو الخالق وحده ، وهذه الأمور الأربعة تسمى أركان الإيمان بالقدر، ولابد من الإيمان بها كلها.وقد حدث في المسلمين إنكار القدر، في آخر وقت الصحابة رضوان الله عليهم، فكفروا من قال بهذا القول وتبرأوا منه، فعن يحيى بن يعمر قال : كان أول من قال فى القدر بالبصرة معبد الجهنى فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميرى حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألناه عما يقول هؤلاء فى القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبى أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبى سيكل الكلام إلى فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم – وذكر من شأنهم – وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف. قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى برىء منهم وأنهم برآء منى والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.رواه مسلم .وقال قال عبادة بن الصامت لابنه يا بنى إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب. قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شىء حتى تقوم الساعة ». يا بنى إنى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « من مات على غير هذا فليس منى ». وعن ابن الديلمى قال أتيت أبى بن كعب فقلت له وقع فى نفسى شىء من القدر فحدثنى بشىء لعل الله أن يذهبه من قلبى.فقال لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا فى سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار. قال ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك – قال – ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك – قال – ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثنى عن النبى -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك.رواهما ابو داوود.
قال في الواسطية: وَتُؤْمِنُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ – أَهْلُ السُّنَّة وَالْجَمَاعَةِ – بِالْقَدَرِ : خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ : – فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى : الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ أَزَلًا وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ ثُمَّ كَتَبَ اللَّهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ : { فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ قَالَ لَهُ : اُكْتُبْ . قَالَ : مَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اُكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ جَفَّتْ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتْ الصُّحُفُ } كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } وَقَالَ : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } وَهَذَا التَّقْدِيرُ – التَّابِعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ – يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَقَدْ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ : وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بَعَثَ إلَيْهِ مَلَكًا ؛ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ لَهُ : اُكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا الْقَدَرُ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلَاةُ الْقَدَرِيَّةِ قَدِيمًا وَمُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ : فَهُوَ مَشِيئَةُ اللَّهِ النَّافِذَةُ وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إلَّا مَا يُرِيدُ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ . فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إلَّا اللَّهُ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ وَيَرْضَى عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ وَلَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ وَلَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً وَاَللَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ ؛ وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُصَلِّي وَالصَّائِمُ ؛ وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ إرَادَةٌ ؛ وَاَللَّهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } { وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنْ الْقَدَرِ : يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ.
61- ما جاء في المصورين
قال في فتح المجيد:ما جاء في المصورين أي من عظيم عقوبة الله لهم وعذابه وقد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم العلة : وهي المضاهاة بخلق الله لأن الله تعالى له الخلق والأمر فهو رب كل شئ ومليكه وهو خالق كل شئ وهو الذي صور جميع الخلوقات وجعل فيها الأرواح التي تحصل بها الحياة كما قال تعالى :{ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون } فالمصور لما صور الصورة على شكل ما خلقه الله تعالى من إنسان وبهيمة صار مضاهئا لخلق الله فصار ما صوره عذابا له يوم القيامة وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فكان أشد الناس عذابا لأن ذنبه من أكبر الذنوب فإن كان هذا فيمن صور صورة على مثال ما خلقه الله تعالى من الحيوان فكيف بحال من سوى المخلوق برب العالمين وشبهه بخلقه وصرف له شيئا من العبادة.
التصوير بجميع أنواعة وأشكاله محرم وإنما نشأ الخلاف بين المتأخرين في ما يسمى بالصور الشمسية، وهو التصوير الفوتوغرافي، أو التصوير الضوئي على قولين:
الأول: الجواز .حيث قاسوه على المرآة.وقالوا أيضا : أن المصور بالآلة ليس له عمل وإنما العمل عمل الآلة وهذا القول احسبه رأي القليل من المحققين.
القول الثاني: قول الجمهور: أنه محرم. ومما يدل على ذلك ما يلي:
أولا/ إن التصوير ذريعة إلى تعظيم الصور وعبادتها ، كما قد وقع لقوم نوح, فسبب وقوع الشرك التهاون بالصور .وهذه العلة موجودة في الفوتوغرافية بل ربما أبلغ وأشد تعلقا لأنها تعطي الصورة الحقيقية.
ثانيا/ أن الأولين كقوم نوح لو وجد عندهم هذه التقنية ما احتاجوا إلى النحت والرسم .
ثالثا/ أن من يجوزون الفوتغرافي يعتبرونها صورا لا تدخل الملائكة بيتا هي فيه. فكيف إذا تجوز,وهذا من التحكم في النصوص بلا برهان؟
رابعا/ أن طمس الصور من تغيير المنكر فلا يمكن أن يكون التصوير حلالا وإلا كان ذلك نوع من التناقض.
خامسا/ المضاهاة (التشبه) بخلق الله حاصلة حتى في التصوير الفوتوغرافي لأن مهارة المصور لها أثر.
سادسا/ يلو حرك آلة فأخرجت لنا تمثالا مجسما ؟ لا أظن عاقلا يقول بحلها.لأنها لا تخرج عن كونها تماثيل .
سابعا/ ثم إن التصوير فيه تشبه بالكفار الذين كانوا يصنعونها للعبادة ,ومعلوم ما جاء من النهي عن التشبه بالكفار.
ثامنا / جاء في البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر على أم المؤمنين عائشة فقال :(ما بال هذه النمرقة). فهذه الصور في الوسادة إنما كانت نقوشًا ليس لها ظل ,ومع ذلك قال:( إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون, فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم). وقال:( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة).فهذا يرد على من قال بالتفريق بين ما له ظل وما ليس له ظل.
تاسعا/ أن من الورع الخروج من هذا الخلاف بالسلامة ,والخروج من الخلاف بترك التصوير لا يلزم منه الإخلال بسنة ولا يوقع في خلاف آخر.
عاشرا/ أن هناك فرقًا بين التصوير بالآلة والظهور بالمرآة وذلك: فظهور الوجه في المرآة حال المقابلة فقط،كما أن التصوير بالآلة فيه عمل بخلاف الصورة فإنها باقية فلا قياس مع الفارق.
الحادي عشر/ من القواعد المقررة: (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالباً لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات .فما بالك إذا تحققت المفسدة وتوهمت المصلحة كالتصوير لغير ضرورة .
الثاني عشر/أن القول بتحريم جميع أنواع التصوير هو قول أكثر المحققين من أهل العلم, كسماحة الإمام محمد بن إبراهيم وابن باز وعبد الرزاق عفيفي والألباني وعبدا لله بن عقيل رحمهم الله, وهو رأي شيخنا عبد الله الغنيمان وشيخنا سليمان العلوان والشيخ عبد الرحمن البراك والشيخ صالح الفوزان واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.وقد ألف الشيخ ابن باز رسالة اسمها «الجواب المفيد في حكم التصوير» أفتى بها بتحريم التصوير الفوتوغرافي، وكذا شيخه ابن إبراهيم في مجموع الفتاوى، والشيخ حمود التويجري في رسالته «تحريم التصوير والرد على من أباحه»، والأخرى «إعلان النكير على المفتين بالتصوير»، وكذلك رسالة للألباني، وللشيخ حمود العقلاء رحم الله الجميع .
الثالث عشر/ من المعلوم ماينتج عن التصوير من المفاسد الكبيرة خصوصا في هذه الأزمان التي ضعفت فيها أديان الناس, وكثر التساهل في الحرمات.والواقع يحكي آثار التساهل في التصوير.
لو كان التصوير لا خلاف في حله لكان من العقل والخلق البعد عنه لأنه يزري بأهل الصلاح ويؤذي المؤمنين.
فما بالك وقد جاءت النصوص الكثيرة في بيان حرمته والتحذير منه .جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المصورين والتصاوير أحاديث كثيرة في الصحاح وفي غيرها فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين أنه قال عليه الصلاة والسلام :(لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ ، وَلاَ صُورَة)
.وقال:(إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ).وقال:(إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ)
وَقَالَ:( إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ).وقال:قال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنُ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ شَعِيرَةً).وقال:(مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا) كل هذا في الصحيحين. وفي صحيح الإمام البخاري أنهَ عليه الصلاة والسلام:( لَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ.) . وفي صحيح الإمام مسلم قال عليه الصلاة والسلام 🙁 كُلُّ مُصَوِّرٍ في النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ في جَهَنَّمَ) وفيه قال ابن عباس رضي الله عنه:( إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ) وعَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ :قَالَ لي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: (أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بعثني عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ).وفي لفظ (وَلاَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا.) وغير هذه النصوص كثير ولولا خشية الإطالة لزدنا لكن فيما ذكر عبرة لمن تدبر وتجرد عن الهوى. قال الشيخ ابن باز: وهذه الأحاديث وما جاء في معناها دالة دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل ذي روح , وأن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار . وهي عامة لأنواع التصوير سواء كان للصورة ظل أم لا , وسواء كان التصوير في حائط أو ستر أو قميص أو مرآة أو قرطاس أو غير ذلك; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين ما له ظل وغيره , ولا بين ما جعل في ستر أو غيره.