التعالم في وسائل التواصل

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كثر في الآونة الأخيرة – وعبر برامج التواصل الاجتماعي- دخول بعض الشباب عالم الدعوة إلى الله عبر المقاطع الدعوية القصيرة التي ينتجونها ثم يجتهدون في نشرها..
والظن بهولاء الشباب حسن القصد والحرص على نفع العباد وهذا حسن لولا ما يخشى من المحاذير والآفات التي منها:
خشية الوقوع في الرياء أو الإعجاب أو حب الثناء والشهرة أو التساهل في القول على الله بلا علم أو الغلط في النقل أو سوء الفهم ومن أخطرها التقاعس عن طلب العلم لأجل الاكتفاء بما وصل إليه. فالبداية مزلة.
وإنني انصح هولاء بعدم العجلة في الدخول في هذا الأمر والحرص على التريث حتى يكثر الزاد من العلم والعبادة والبصيرة . قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}
كما انصح إخواني الشباب بالجد في طلب العلم النافع ومجالسة الشيوخ. قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه التعالم: وأنصح نفسي وإخواني بالجد والطلب , وتحرير المسائل , وضبط الأصول , وجرد المطولات , وكثرة التلقي , والدأب في التحصيل , وأن لا يشغل المرء نفسه بالتأليف في مثاني الطلب قبل التأهيل له , فأن التأليف في هذه المرحلة يقطع سبيل العلم و التعلم , ويعرض المرء فيه نفسه قبل نضوجها والتأليف المقبول لابد أن يكون بقلم من اتسعت مداركه ,وطال جده وطلبه , والصنعة بصانعها الحاذق , ومعلمها البارع.أ.هـ وقال في الحلية: احذر ما يتسلى به المفلسون من العلم، يراجع مسألة أو مسألتين، فإذا كان في مجلس فيه من يشار إليه، أثار البحث فيهما، ليظهر علمه! وكم في هذا من سوءة، أقلها أن يعلم أن الناس يعلمون حقيقته .أ.هـ قال شيخنا ابن عثيمين: من الناس الآن يتنمر في علم الحديث ، يقول روى فلان عن فلان وفيه انقطاع وسبب إنقطاعه كذا . ثم لو تسأله عن آية من كتاب الله ما أجاب .أ.هـ
والواجب على الناصح لنفسه عدم اقتحام الميادين لتي ليست له.والحذر من ولوج بحر الإعلام الذي لا ساحل له حتى يتأهل ويشتد عوده ويكثر زاده من العلم والعبادة. ولو عرف المرء قدر نفسه.وضآلة علمه…للزم الأدب.وجد في الطلب. فاحذر أن تبني مجدَك وحياتك على العزِّ الكاذب . قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى:وقد قال بعض الناس : أكثر ما يفسد الدنيا : نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب ونصف نحوي هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان .أ.هـ
قال النووي في آداب الفتوى والمفتي والمستفي: وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركتُ عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول. وفي رواية: ما منهم من يحدث بحديث، إلا وَدَّ أن أخاه كفاه إياه، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.أ.هـ
قال الذهبي في السير: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنَّ يَتَكَلَّمَ بِنِيَّةٍ وَحُسْنِ قَصْدٍ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ كَلاَمُهُ، فَلْيَصْمُتْ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ الصَّمْتُ، فَلْيَنْطِقْ، وَلاَ يَفْتُرْ عَنْ مُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهَا تُحِبُّ الظُّهُوْرَ وَالثَّنَاءَ.أ.هـ
وأخيرا أذكر نفسي ومن بلغه هذا بقول الله غز وجل:(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)

كتبه / عبدالرحمن بن صالح المزيني
الثلاثاء 8/8/1436هـ